إذا كان من فضل لشيء في تحرير الإنسان من عبودية المادة، فإن الصيام الذي اجمعت عليه كل الأمم التي سبقت أمة محمد هو صاحب هذا الفضل وهذه الميزة العظيمة.
فالصوم في كل تفاصيله دعوة للتحرر.. للتحرر من كل شيء مادي دنيوي ظاهري وباطني، فهو يجعلك حرا طليقا لا تقع في أسر شيء مهما كانت أهميته أو ضروريته، وليس هناك أهم من الطعام والشراب للإنسان فبه يقيم أوده، ويلبي احتياجات جسده.
والماء من أشد ضروريات الحياة ليس للإنسان فحسب بل هو كما قال الله تعالى «وجعلنا من الماء كل شيء حي» فالماء ضروري للأحياء والنباتات ولكل المخلوقات التي تنمو وتتنفس، فكونك مختارا وليس مجبرا ان تحرر نفسك من الانصياع لمطلبها وتحرمها من هذه الضروريات فهذا قمة التحرر من ماديات الحياة طاعة وتقربا لله تعالى، فما نحن فيه إلا استجابة برضا لما فرض الله علينا.
كما أن التحرر مما تشتاقه النفس أو تتوقه، من ملذات أخرى كشهوة الجنس مثلا، وضبط نفسك وكبح شهوتك عن ممارسة هذه العلاقة الزوجية التي هي أساس حياة البشر، ومصدر استمرارهم في الوجود إلى يوم القيامة، فإن ذلك هو قمة تحرير النفس والجسد من عبودية المادة الي عبودية رب المادة وخالقها.
ومن الفضائل العظيمة أيضا هو الترفع عن رزايا ورذائل البشر، بل والرد بكل أدب ولطف، إني امرؤ صائم إني امرؤ صائم.. أي بصيامي اتحرر من التدني لهذا المستوى، وأرقى عليه بصومي وليس بشيء آخر، فتشعر عندها وأنت ترد بهذا الرد البليغ أنك قد ارتقيت إلى مراتب عليا لا يصل إليها أحد إلا شخص صام مثلك، وكيف لا؟ وأنت بالفعل قد ارتقيت لتكون في صفوف تحت مظلة الله ورعايته فهو الذي وعد بأن الصوم له وهو من سيجزي به.
وعندما تحرم نفسك من الراحة والدعة، وتقوم تاركا تلك الأرائك الوثيرة المهيأة للنوم فإنك بذلك قد تحررت من الانصياع لمطالب دنيئة أمام عبادة عظيمة، وعندها تترك هذه النعم الحلال لك في أوقات كثيرة وتحرمها على نفسك في نهار رمضان صائما، أو ليله قائما أو قارئا للقرآن أو متهجدا، أو حتى ماكثا في مخدعك ذاكرا مسبحا حامد شاكرا فإن في ذلك أسمى أشكال التحرر.
فالابتعاد عن حلال خلال الصيام قمة في التحرر والاستغناء، فما بالك وأنت تستغني عن المحرمات، وسفاسف الأمور، ألا يكون ذلك من أعلى درجات التحرر والسمو الذاتي والنفسي.
فهو أي الصيام في شكله ومضمونه دعوة للتحرر والتجدد الروحي والبدني، وضبط النفس والإقبال على أعمال البر للوصول الى مرحلة التقوى.
وللحديث صلة غدا بمشيئة الله تعالى
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية