ها نحن نقترب رويدا رويدا من خط النهاية، كله كان أياما معدودات، وعلى غرار ذلك فما بقى منه سوى ساعات وتنطوي صفحته، فهل يا ترى نجحنا وفزنا؟ أم أن أعمالنا وأخلاقنا شابها بعض القصور؟!، بالتأكيد كلنا مقصرون، سواء في الأداء للفريضة أو ما يفرضه علينا الصيام من التزام بنسك وأعمال، أو أفلت منا عيار اللسان.
فانفلت بقول ليس له محل من الإعراب في مقامنا هذا، أو نظرة عين أو استراق سمع، أو خطوات مشيناها، أو حتى صمت في موضع يجب فيه أن نتكلم وننطق بكلمة حق تنصف مظلوما، أو تمنع ظلم سيقع على ضعيف، أو حتى تكلمنا في موضع كان الصمت فيه أجدى وأفضل.
رمضان جاء ثم أوشك على المغادرة ولذا يعجبني في هذا المقام ما قاله ابن الجوزي -رحمه الله-: «إن الخيل إذا شارفت نهاية المضمار بذلت قصارى جهدها لتفوز بالسباق، فلا تكن الخيل أفطن منك! فإنما الأعمال بالخواتيم، فإنك إذا لم تحسن الاستقبال لعلك تحسن الوداع».
فلا تكن الخيل أفطن منا، فهي أي الخيل كلما قاربت خط النهاية زادت من سرعتها لتكون في المركز الأول.. وهذه حكمة أخرى من جعل ليلة القدر في العشر الأواخر، حتى يمر الصائم بكل التصفيات والتمحيصات المطلوبة ليصل اليها وقد صفت روحه واطمئن قلبه، وسلم صدره وعف لسانه، فيكون أقرب إلى الشفافية منها إلى غير ذلك.
وكتم الله سر هذه الليلة وأخفاها حتى نتحراها لآخر ساعة من ليالي الشهر الفضيل، فلا معني ولا قيمة لمن يخرجون علينا ليؤكدوا لنا أن ليلة أمس من علامات ليلة القدر، وليلة أول من أمس ظهرت الغيوم وأحمرت السماء وكان الجو جميلا صافيا، فهذه من علامات ليلة القدر، وشغلوا أنفسهم بما لا يجب أن ينشغلوا به، لو كان من صالح العباد إظهارها لأظهرها الله، ولكنه سبحانه أدرى بخلقه وبصالحهم، ولذا جعلنا نتحرى ونبحث وذلك من خلال العمل والتعبد.
ومخطئ من يظن أن من ترك عمله وتفرغ للعبادة حتما سينالها، وهذا من الأخطاء التي لم ينتبه لها أحد، فقد تأتيك ليلة القدر وانت في مصنعك أو مكتبك أو مزرعتك، وتكون بذلك أقرب إلى ملامستها من ذلك المعتكف في المسجد، وقد نال من نيته شيء، أما الذي يعمل ويجد ويجتهد وقلبه مشغول بالله ولله، ما بين ذكر بلسانه وخشوع قلبه، واتقان صنعته، وأداء عمله بالشكل المطلوب، فهو أقرب إلى موافقتها.
أيها الصائم انفض عنك غبار ما فات ولا تتكأ على علامات وهمية فقدرة الله على البينات والعلامات كثيرة ويمكنك أن تراها في كل لحظة.. فهل نترك الأصل والوعد الواضح؟ ونتحسس كلام يطلقه أناس لا يفهمون مراد الله من اخفاءها، وإنما سخرهم أنفسهم لإحباط العباد عن الاستمرار في العبادة والصيام عن حق قولا وعملا.
فـ«لا يجب ان تكون الخيل أفطن منا» فهذه العبارة موجهة لنا وتنطبق تماما على المسلم الصائم، الذي يبدأ الشهر الفضيل بهمة ونشاط وحيوية يغبط عليها كثيرا، وما إن يأتي الثلث الثاني إلا وتقل تلك الهمة، ثم الثلث الأخير فتفتر العزيمة، ويضيع عليه وقتا هو من أثمن الأوقات على مدار عمره طال أم قصر، فهو فيه ليلة بها ساعة إذا وافقها فقد ربح وفاز، وإلا فمن يضمن له البقاء إلى رمضان المقبل.
وللحديث صلة غدا بمشيئة الله تعالى
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية