بينما يراقب العالم أجمع ما قد تؤل إليه الأوضاع الجارية حالياً في السودان وتصاعد المخاوف من تحول الأمر إلى حرب أهلية شرسة تأكل معها الأخضر واليابس، وما يصاحبها من حالات الخوف والفزع وأجواء الرعب التي يعيشها الأشقاء في السودان حالياً، واتجاه أعداد كبيرة منهم للنزوح خارج الوطن في مشاهد قاسية تدمع لها الأعين خاصة بعد أن كانوا آمنين مطمئنين في ديارهم، يظل الحديث عن أثر هذه الحرب على مصر هو الهاجس الأكبر لدى الجميع، خاصة مع سيناريوهات النزوح المحتملة.
ورغم تعدد الدول المجاورة للسودان التي يمكن الذهاب إليها وطرق أبوابها، إلا أن مصر تبقى هي الوجهة الأولى والمقصد الرئيس للأشقاء من السودان، وهذا أمر طبيعي لا يمكن أن نغفله، فمصر هي الشقيقة الكبرى دائما للجميع.
لكن اللافت في هذا الأمر بالنسبة لي أنه ومع بدء توافد أعداد كبيرة من الأشقاء إلى الحدود المصرية واستقبالهم من الجانب المصري ومنحهم تسهيلات خاصة للدخول، كما فعلت مصر في السابق مع الأشقاء من العراق واليمن وليبيا وسوريا، تابعت في منصات التواصل الاجتماعي انتشار واسعاً لقوائم وأرقام واحصاءات ترصد أعداد الأشقاء العرب المقيمين في مصر من سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان، فيما يبدو كأنه من قبيل المباهاة -إذا افترضنا حسن نية متداوليها_ أو من قبيل التأفف والتذمر من ذلك الأمر، نظرا لصعوبة الأوضاع الاقتصادية في مصر والاعتقاد بأن هذه الأعداد الكبيرة التي قدرها البعض بأكثر من 15 مليون مهاجر، تشكل عبئا إضافيا لهذه الأوضاع وتساهم في تفاقمها، وظناً بأن عدم استقبالهم من شأنه أن يخفف الضغط على الاقتصاد.
لكن في الحقيقة لابد لنا أن نعترف في البداية أن قدوم شعوب العالم إلى مصر بهذه الأعداد الكبيرة هو جزء من قدر مصر على مر التاريخ، فهي البلد التي قال الله عز وجل فيها ضمن 4 من خمس آيات ذكر فيها اسم مصر صراحة في كتابه الكريم أنها بلد الأمان والاستجابة والكرم، وهذا ما يبدو واضحاً في معاني ودلالات قوله تعالى «ادخلوا مصر إن شاء الله آمين» ( سورة يوسف)، وقوله تعالى «اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتهم»( سورة البقرة)، وقوله تعالى «وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه» ( سورة يوسف)، وقوله تعالى «وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتاً» (سورة يونس) التي تؤكد جميعها أن مصر هي وطن الأمان والكرم والاستجابة والاستقرار، بما لا يدع مجالات للتشكيك في اختصاص الله مصر دون غيرها من شعوب الأرض بهذه الصفات.
أما فيما يتعلق بقراءة القوائم المتداولة بأعداد المقيمين في مصر من أشقاءنا من الدول المذكورة سابقاً، وغيرهم الجنسيات الأخرى، ورغم من كونها أعداد كبيرة، تضاف إلى العدد الأكبر لسكان مصر الذي لا يتوقف عن الزيادة، تزامناً مع الظروف الاقتصادية الصعبة وجملة كبيرة من التحديات الموروثة، دعونا نحلل الأمور بواقعية، ونطرح معاً هذا التساؤل الذي قد أكون مخطئاً في إجابتي المحتملة عليه، هل إذا أوصدت مصر حدودها ومعابرها أمام الأشقاء، ستكون أوضاعنا الاقتصادية في أفضل أحوالها؟ أعتقد أن الإجابة التي أميل إليها أنه بالطبع لا، فالوضع الاقتصادي الصعب، الذي تمر به مصر حالياً هو جزء من وضع عالمي أصعب وركود اقتصادي يحاصر العالم نتيجة تضخم وغلاء ونقص في الإمدادات، وأسباب أخرى عديدة لا يمكننا معها أيضا إغفال الخلل في إدارة هذه التحديات.
وهناك جانبين آخرين يجب أخذهما بعين الاعتبار، الأول هو أن هذه الأعداد لم تأت إلينا لطلب منح أو مساعدات، وإنما جاءت النسبة الأكبر منها بأموال واستثمارات مختلفة الأحجام لتقيم مشاريع في مختلف المجالات، ولا شك أنها ساهمت بقدر ما في إحداث طفرات في عدد من القطاعات الخدمية، وأظهرت أن هناك فرصاً كبيرة كان يمكن توليدها أمام شبابنا مع الإصرار والتحدي.
أما الجانب الثاني، فيتعلق بالذاكرة التي يجب أن تبقى حاضرة، عند الحديث عن فتح مصر أبوابها للأشقاء، فمنذ سنوات ليست ببعيده، كانت هذه الأوطان وخاصة العراق وليبيا واليمن تعيش آمنة مستقرة ومزدهرة وكانت وجهة ملايين المصريين للعيش والعمل، فمن منا لا يتذكر سنوات الازدهار في العراق عندما كانت تستضيف في مدنها أكثر من 2.5 مليون مصري وعندما كانت آلاف البيوت المصرية لا تخلو من سفر أحد أفرادها للعمل في العراق، وكذلك الأمر بالنسبة لليبيا التي وصل عدد المصريين بها لأكثر من مليون شخص وأيضا في اليمن.
وعندما جاء إلينا الأشقاء من سوريا ساهموا، ونقولها بلا خجل في إحداث نقلة بارزة في فنون إدارة المطاعم والتجارة والحرف والارتقاء بها عن ما كان سائدا من قبل.
وأخيرا قد تكون الأرقام المتداولة صادقة.. لكنها ليست صادمة إلى هذا الحد..
حفظ الله مصر .. حفظ الله بلاد العرب .. حفظ الله الجميع
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية