بقلم – رفعت السعيد
طوال رحلته كان ولى الدين يكن قادرًا على أن يكسب الكثيرين، إن لم يكن بسبب تخليه عن مصلحته الأرستقراطية وتحديه لمصالح طبقته أو لشجاعته فى مواجهة كل من يمارسون ظلمًا أو قهرًا أو استغلالًا، وكانوا هم الأكثرية فى الطبقة الحاكمة ككل، سواء فى تركيا أو فى مصر، فإعجابًا بشعره الساحر ونثره الأكثر سحرًا. وقد شعر ولى الدين يكن بأنه قد نجح فى إيقاظ الكثيرين وفى تحريك ضمائر من كانوا لا يتوجهون لمساندته فأخذوا فى مساندته. وذات يوم صاح ولى الدين.. استيقظت الضمائر وأنصتت وأنا أريد أن أقول، وقال، فماذا كان رأى أصحاب الضمائر فيما قال، لنحاول أن نتأمل فيما قاله بعض من مثقفى ومفكرى عصره.
أحمد أبوخضر حسين – فى كتابة ولى الدين يكن كاتبًا وشاعرًا:
«كلمة أقولها عن ولى الدين يكن قول عارف مزامل له: إنه الكاتب الذى لا يكتب إلا الذى يعتقده، سواء أكان ناثرًا أم ناظمًا وسبحان من جمع فى لسانه السحرين، سحر القوافى وسحر النثر المرسل».
أسعد خليل داغر – مجلة الحرية (بغداد) ١٩٢٤:
«إن رأيى فيما يكتبه ولى الدين يكن نثرًا وشعرًا، إن نثره شعر ولكنه متحرر من أغلال الأوزان، وشعره سحر، ومن بعض معجزاته خوارق البلاغة والبيان، فهو يرسل النثر البديع كما تنثر الطبيعة زهر الربيع، وينظم الشعر كما تنظم الدرر فى الأسلاك».
أنطون الجميل – فى مقدمة «ديوان ولى الدين يكن»:
«وقد تبيت بين هذا النثر الأنيق، وذلك الشعر الطل لا تدرى هل ولى الدين أشعر فى هذا المقام أم فى ذاك، لأنه ما جرى قلمه إلا بما خفق به قلبه وتحرك له لُبه، وهو فى كلا الفنين ذو القلب المتألم مما حوله، لمن حوله، لأنه قلب حساس شريف، تعمل فى خدمته مخيلة ترى ما لا يراه غيره».
بطرس البستانى – فى كتابه «أدباء العرب»:
«لم يكن ولى الدين يكن من أصحاب الترسل الأنيق، أى من صيارفة اللفظ، وصاغه الكلام، وإنما كان كاتبًا حلو الأداء لطيف التهكم، وأليم النقد، شديد الصراحة، عجيب الجرأة، صادق العقيدة، ناطق الحجة، بارع التصوير رائع التشبيه، وهو فوق ذلك كله قوى الشخصية، فريد الأسلوب، بريء من أى تقليد، تمرد ونبذ التقاليد فى السياسة والاجتماع وثار على كل أى فاسد قديم، وكم تألمت نفسه من الناس وكم تألمت لآلام الناس».
بشارة الخورى – الأخطل الصغير – جريدة «البرق» (بيروت) ١٩١٠:
«كلمات ولى الدين يكن هى أشبه ببسمات الندى على زهرة من الورد فوق غصن ما هو بالأملس تمامًا».
خليل مطران – فى ديوان الخليل
لمعجزة نظمًا شوارد – من الفكر لم تُغلل ولم تقيد
يراد بها وعر المعانى وصعبها – بسهل من اللفظ الأنيق المجود
سلام أديب الشرق لا مصر وحدها – سلام أبا الفن البديع المجدد
وهكذا يمكننا أن نقول إن ولى الدين نجح فى أن يجتذب بمواقفه وشجاعته وشعره ونثره أطيافًا شتى من الكتاب والمثقفين، حتى هؤلاء الذين لا يتصور موافقتهم على مواقفه المدافعة عن الفقراء والمظلومين. لكنه مع ذلك كان يتألم إذ يرى أن ما يكتبه لا يؤثر فى كثيرين، وفى كتابة «التجاريب» ينشر صورته فى الصفحة الأولى وتحتها بيتان من الشعر.
ما كان أهنأنى وأسعدنى – لو كان ينفع معشرى قلمى
أنا لى فؤاد لا أنزهه – لكن يراقب ما يقول فمى
وقصيدة عنوانها «استغراق لحظة» يصف فيها أحوال الشرق فيقول:
أيها الشرق كيف حالك فينا – يُخلى نازل فيغشاك ثان
هدمتك الخطوب صرحًا فصرحا – قوضت من عُلاك شُم المبانى
يظلم الناس بعضهم وكانوا – طال ظلم الإنسان للإنسان
وإذا كان فى الحياة قليل – من نعيم فذاك للتيجان
.. وهكذا كان ولى الدين دومًا يرفض الظلم ويدافع عن المظلومين فى أى مكان.. ويكتب يومًا: متى أكون صحفيًا؟ ويجيب «إذا اعتدل الشرق وصحا بنوه، وتعودوا أن يفهموا، وتمرنوا على أن يريدوا، وجعلوا لأنفسهم مقاصد يسعون وراءها، وأخذوا يميزون بين الغث والثمين، وعرفوا الفرق بين الباطل والحق.. استطاع صاحب هذا القلم العاجز أن يكون صحفيًا.
وأعتقد أننا نحن أيضًا.. نمتلك الحق فى أن نمتدح ولى الدين يكن كما امتدحه كثيرون.