لم يشهد العالم هذا الحشد العسكري العالمي للكيان الصهيوني منذ وعد بلفور 1917 – الوعد الملعون – وحتى اليوم، رغم مرور حرب عسكرية بين الكيان الصهيوني والدول العربية بدءاً من 1948 مروراً بالعدوان الثلاثي عام 1956 وسيراً إلى نكسة 1967 ثم حرب أكتوبر 1973، فضلاً عن المجازر التي ارتكبها الصهاينة في لبنان وفلسطين خلال العقود الخمسة الماضية، فهل انتقل الصراع الروسي الصيني مع أمريكا وحلفائها من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط بعد تحقيق بوتين انتصارات متلاحقة في أوكرانيا.. وماذا ستفعل الدول العربية وفي مقدمتها مصر والأردن ولبنان وسوريا -دول المواجهة المباشرة-.
إن تحريك الأساطيل والسفن الحربية والتجهيزات المتصاعدة ليست نزهة، فهناك شيء تم الاتفاق عليه بين الأطراف اللاعبة أو يجرى الاتفاق الآن.. هناك ترتيب يجرى التجهيز له يستهدف جميع دول المنطقة.
أمريكا والغرب يسارعون بحشد العتاد العسكري تحت زعم القضاء على «حماس» وروسيا والصين يقفون في الطرف الآخر، منددين بالشعارات البراقة والمداعبة لمشاعر المسلمين والعرب دون فعل حقيقي- ربما دعم خفي قد يحدث- بهدف مواجهة أمريكا بصورة غير مباشرة، كما حدث في أوكرانيا التي توقفت فيها المعارك مع انطلاق الجرائم الإسرائيلية في غزة واستمرار الغازات وعمليات القصف المتواصلة.
وخلال الساعات الماضية، جدد الكيان الصهيوني تأكيداته بأنه لن يتوقف عن العملية البرية وإبادة الفلسطينيين.
ولا يمكن للكيان الصهيوني الاستمرار دون تحقيق عمليات إجرامية غير مسبوقة حيث أدت عملية «طوفان الأقصى» إلى كسر معنوي لكل أفراد الصهاينة في المنطقة وحول العالم لم يحدث في الحروب السابقة التي خاضتها دول عربية بجيوشها وعتادها العسكري مع الكيان الصهيوني.
وقد تباينت تقديرات وتحليلات المتابعين لمحرقة غزة والتي ينفذها الكيان الصهيوني بهدف القضاء على سكان غزة، وإخلاءها تماماً مع بدء العملية البرية التي تعتزم إسرائيل تنفيذها وخلق واقع جديد بالشرق الأوسط -يخلو من فلسطين ودول أخرى- للدخول في الموجة الجديدة من خطة الكيان الصهيوني بالقضاء على كل معوقات الدولة الكبرى للصهاينة بالمنطقة.
ليست هذه المرة الأولى لجرائم الصهاينة منذ إعلان قيام دولتهم المزعومة في العام 1948 بمباركة صهاينة الأمس واليوم، فالدعم الصهيوني الدولي ممثلاً في أمريكا وكندا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وحلفائهم من هنا وهناك يتصاعد بصورة غير مسبوقة عبر حاملات الطائرات والسفن الحربية والجنود والاجتماعات الدائمة والزيارات المكثفة لقادة هذه الدول وأجهزتها الأمنية للكيان الصهيوني لتحقيق مزيد من عمليات إبادة «غزة».
وقللت التحليلات المتداولة إعلاميا وسياسياً من عمليات الحشد العسكري المتزايد من أمريكا وبريطانيا وحلفائهم في المتوسط بدءاً من حاملتي الطائرات الأمريكيتين مروراً بالسفن الحربية والقوات الأمريكية وتسارع توافد القادة والمسؤولين الغربين بعد زيارة بايدن لتل أبيب يوم الأربعاء 18 أكتوبر الجاري، وإعلانه الدعم الكامل على إسرائيل قائلاً: إنه لو لم تكن هناك إسرائيل لعملنا على إقامتها.
وتشكل الحرب على غزة من جانب الصهاينة وأمريكا وحلفاءها حلماً يراود بايدن منذ العام 1986 عندما كان عضواً في الحزب الديمقراطي قائلاً: إن إسرائيل هي أفضل استثمار فعلته الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بتكلفة 3 مليارات دولار، مضيفاً أنه لو لم تكن هناك إسرائيل لكان على الولايات المتحدة أن تخلقها لحماية مصالحنا في المنطقة.
وكانت فرحة بايدن غامرة حينما استقبله الكيان الصهيوني يوم الأربعاء 18 أكتوبر بإطلاق الصاروخ الأمريكي – MK-84 -على مستشفى المعمداني في وسط غزة واستشهاد ما يزيد على 500 فلسطيني.
ونعتقد أن زيارة بايدن للكيان الصهيوني عقب عملية القصف الصاروخي لمستشفى المعمداني وسط غزة والذي أدى لاستشهاد 500 شخص معظمهم من الأطفال والنساء في الدقائق الأولى، شكلت ضوءاً أخضر ودعما مباشراً للاستمرار في محرقة غزة.
ولم يكن بايدن مخادعاً أو كاذباً حينما تبنى رواية الكيان الصهيوني بقيام كتائب القسام بذبح الأطفال وقتل النساء خلال عملية «طوفان الأقصى» المجيدة، فبايدن كان صادقاً لأقصى درجة لأنه أحد الصهاينة الكبار.. وكم كان صادقاً حينما قال: «إنه لو لم تكن هناك إسرائيل لعملنا على إقامتها».
ويرى محللون أن العرب يعملون على وقف توسيع الحرب وذلك بالتعاون مع أمريكا والغرب بمحاولة إقناع إسرائيلي بالتوقف عن الحرب، وأن العالم يرى أن هناك مخاوف من امتداد الحرب خارج نطاق غزة.
كما يرى هؤلاء أن استمرار الحرب على غزة قد يؤدي إلى حرب إقليمية وهو ما لا تريده أمريكا وحلفائها، فهم يعملون على حصر الحرب في إطار «غزة وإسرائيل» وأن الحرب الشاملة ليست في مصلحة أحد، مستبعدين حدوث ذلك.
وأعلنت إسرائيل أنها لن توقف الغارات والقصف والعملية البرية التي تعتزم تنفيذها إلا في حال أطلقت حماس الرهائن الإسرائيلية واستسلام عناصر حماس وتسليم أسلحتهم – وإنه من المضحك جداً هذا القول- كما أن الكيان الصهيوني نشر أذرعه الإعلامية ما يسمي بخطة الكيان «غزة بعد العملية البرية» وما يتولاها.
ورفض بايدن أمس الإثنين الحديث عن أي هدنة قبل إطلاق المحتجزين، مؤكداً أنه لا يمكن الحديث عن مباحثات حول وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس قبل الإفراج عن جميع المحتجزين لدى حماس.
فيما حذرت وزارة الخارجية الأميركية من أن أي وقف لإطلاق النار من جانب إسرائيل في قطاع غزة سيكون لصالح حركة المقاومة الإسلامي(حماس).
وفي العاشر من أكتوبر، أعلن بايدن أن الولايات المتحدة ستزود إسرائيل بأنظمة عسكرية تشمل ذخائر وصواريخ اعتراضية، لتجديد مخزون صواريخ منظومة الدفاع الجوي «القبة الحديدية» الإسرائيلية.
وأعلن وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، الأحد الماضي، عن إرسال قوات ومعدات عسكرية إضافية إلى الشرق الأوسط، وذلك على خلفية الاستعدادات لهجوم إسرائيلي بري في قطاع غزة.
ودعا الرئيس الفرنسي ماكرون خلال تواجده اليوم في تل أبيب ضمن زيارات مماثلة قام بها قادة غربيون، في مقدمتهم جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك والمستشار الألماني شولتز، إلى «عدم توسيع» نطاق النزاع بين إسرائيل وحماس، مشدداً على أن إطلاق سراح الرهائن هو «الهدف الأول».
منذ بداية الحرب، وقفت الحكومات الأوروبية مع إسرائيل، وأعربت عن دعمها الكامل في سلسلة زيارات قام بها مسؤولوها إلى إسرائيل.
وأرسلت بريطانيا بارجتين للانضمام إلى حاملتي الطائرات «جيرالد فورد» التي وصلت سابقا للمنطقة، تحمل 75 طائرة منها طائرات إف-35، أوما حاملة الطائرات «إيزنهاور» فتحمل 90 طائرة معظمها إف-18.
وأفاد موقع «pentapostagma.gr» أمس، المقاتلات الثقيلة الأمريكية ستستخدم المطار العسكري في مدينة إيلفسين بالقرب من أثينا بما في ذلك لإجلاء محتمل للمواطنين من الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن الجانب الأمريكي أجرى دراسة للقواعد الجوية اليونانية، حيث يمكن لليونان أن توفر للقوات الجوية الأمريكية فرصة التزود بالوقود ومرابطة الطائرات الثقيلة الأمريكية، التي ستصل إلى هنا خلال الساعات الـ24 القادمة، إذا لزم الأمر.
وذكر الموقع أنه بسبب الأزمة في الشرق الأوسط أرسلت الولايات المتحدة طلبا إلى وزارة الدفاع الوطني اليونانية مع طلب استخدام قاعدة جوية يونانية أخرى، بالإضافة إلى القاعدة العسكرية على شاطئ خليج سودا في جزيرة كريت، نظرا لأنها تستضيف حاليا العديد من الطائرات الأمريكية، بما فيها الطائرات من طراز «KC-135» و«C-130» و«P-3 Orion» و«AC-130» ولا يمكن لهذه القاعدة الجوية قبول الطائرات الكبيرة الأخرى.
إن كل هذه المشاهد تشير بجدية إلى تصاعد فرص الحرب الفعلية في المنطقة، وأن أمريكا وحلفائها يرون أن هذه الحرب ستحقق أهدافاً متنوعة فإلى جانب تغيير جغرافيا المنطقة وتصاعد النفوذ الصهيوني فإن هذه الحرب تشكل فرصة لتحقيق أي انتصار على روسيا والصين في الشرق الأوسط بعد تصاعد نفوذهما مؤخراً بإبقاء النظام السوري خلافاً لما كانت تعمل عليه أمريكا، وخروج فرنسا من عدد من الدول الأفريقية خلال 2022 و2023، بداية من مالي، مروراً ببوركينا فاسو، الجابون، وصولا للنيجر الشهر الماضي.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية