تصور أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يرى أن أمان فرنسا يكمن في زيادة الأنجاب!.. ماكرون يحلم بمعالجة آفة العقم ويعرض «إجازة ولادة» كجزء من خطته «لإعادة التسلح الديموجرافي» لإنعاش معدل المواليد المنخفض في البلاد.
وفي حين أن أهدافه قد تكون جديرة بالثناء، فإن خطاب ماكرون يبدو لمؤيدي الإجهاض قريبا بشكل مثير للقلق من خطاب الزعماء الشعبويين الاستبداديين واليمينيين الذين كانوا يلاحقون بقوة سياسات مؤيدة للإنجاب في السنوات الأخيرة. فقد حث فلاديمير بوتين مؤخراً النساء الروسيات على إنجاب «ثمانية أطفال أو أكثر»في إطار سعيه إلى عكس اتجاه عقود من الانحدار السكاني الذي تفاقم بسبب الخسائر الفادحة في أوكرانيا.
إن ماكرون الوسطي ليس بوتين، وقد تبدو فرنسا العلمانية إلى حد كبير أرضا غير محتملة لازدهار المشاعر المناهضة للإجهاض، لكن الحكومة الفرنسية تمارس لعبة مزدوجة خطيرة فيما يتعلق بالحقوق الإنجابية، والتي يمكن أن تكون لها عواقب مثيرة للقلق.
تعهد القادة الفرنسيون بتكريس حقوق الإجهاض في الدستور بعد أن ألغت الولايات المتحدة قضية رو ضد وايد في يونيو 2022، معترفة بأن الحريات الإنجابية هشة وتحت رحمة التغيير في الحكومة. لكن حكومة ماكرون، حتى الآن، شجعت وأضفت الشرعية على الحركة المناهضة للإجهاض في البلاد من خلال اللجوء إلى إثارة الخوف حول انخفاض معدلات المواليد، والانخراط بشكل مباشر مع المنظمات المناهضة للإجهاض. مما أثار استياء الناشطين في مجال حقوق المرأة.
وأصبحت الجماعات الفرنسية المناهضة للإجهاض أكثر جرأة بشكل ملحوظ في الأشهر الثمانية عشر الماضية. أظهرت دراسة جديدة أجراها معهد الحوار الاستراتيجي (ISD) أنهم تحولوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي ويستخدمون مجموعة واسعة من التكتيكات لثني النساء عن طلب رعاية الإجهاض والوصول إلى جماهير جديدة والتأثير على الرأي العام. وهي مدعومة بخوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي والسياسات غير الكافية للمنصات التي تفشل إلى حد كبير في معالجة المعلومات المضللة والمضللة المتعلقة بالإجهاض.
وفى الوقع أن الجماعات المناهضة للإجهاض في فرنسا قد تعلمت من الحركات العابرة للحدود الوطنية المناهضة للإجهاض. وهم يربطون الإجهاض بقضايا «الحروب الثقافية» المثيرة للانقسام، مثل التربية الجنسية في المدارس. إنهم يستهدفون الشابات والفتيات بإعلانات مدفوعة الأجر تحتوي على تصوير بياني للإجهاض، أنفقت إحدى الحملات المناهضة للإجهاض أكثر من 40 ألف يورو على مثل هذه الإعلانات على موقع ميتا.
أنهم يلعبون على المخاوف العامة بشأن انخفاض معدلات المواليد والمشاعر المناهضة للهجرة التي تكاد تكون مخفية. تبين أن المجموعات عبر الإنترنت التي تدعم المرشح الرئاسي اليميني المتطرف لعام 2022 إيريك زمور هي أكثر مكبرات الصوت نشاطًا للمحتوى المناهض للإجهاض. حصل زمور على 7.07% من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بينما روج لـ «نظرية الاستبدال العظيم»، وهي أيديولوجية غارقة في الأوهام العنصرية بأن السكان المهاجرين يحلون محل السكان المسيحيين البيض، والتي تم استخدامها كسلاح لحظر الإجهاض في بعض الولايات الأمريكية.
إن المكاسب الانتخابية التي حققتها الأحزاب اليمينية المتطرفة في فرنسا، والتي دافعت عن الحد من الوصول إلى الإجهاض بدرجات مختلفة، جنباً إلى جنب مع النشاط المتزايد المناهض للإجهاض، تشكل علامة تحذير حول الكيفية التي قد يتحول بها تيار التقدم. وتلعب الحركات المناهضة للإجهاض لعبة طويلة الأمد، إذ تسعى إلى التأثير تدريجياً على الخطاب العام، وصياغة السياسات، ومنع النساء من اتخاذ خيارات أخرى.
قبل أيام، انطلقت «المسيرة من أجل الحياة» الدولية المناهضة للإجهاض، والتي جمعت ما يقدر بنحو 6000 شخص في باريس.. لقد فرضت آخر حكومة في بولندا حظرًا شبه كامل على الإجهاض في يناير 2021. يحاول رئيس وزرائها، دونالد تاسك، تخفيف القيود، لكن حكومته تواجه معركة شاقة. وأصدرت المجر قانونًا من شأنه إجبار النساء على الاستماع إلى أقوال أجنتهن، نبضات القلب قبل الإجهاض. وفي الأرجنتين وإيطاليا، تعهدت الحكومات اليمينية القائمة أيضًا بالحد من حصول النساء على الإجهاض.
بعد مرور ما يقرب من خمسين عاما على تشريع الإجهاض في فرنسا، قد تبدو الأمور تسير في أتجاه معاكس، إلا أن مجموعات الإجهاض عبر الإنترنت تمكنت من نشر وتضخيم رسالتها بشكل أكثر فعالية من أي وقت مضى. وفي الولايات المتحدة، تم هدم الحقوق الإنجابية في العديد من الولايات بين عشية وضحاها. وفي فرنسا وأماكن أخرى، لا يزال من الممكن تفكيكها تدريجياً، وهو تذكير بأنه، كما قالت سيمون دي بوفوار: «لا ينبغي أبدا اعتبار هذه الحقوق أمرا مفروغا منه؛ يجب أن تظل يقظًا طوال حياتك».
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية