موجة الغلاء التي تشهدها البلاد والتي تعد الأكبر في العصر الحديث، أصابت المصريين بحالة من الغليان والترقب نظرا لقفزاتها المتوالية التي فاقت مقدرة الجيوب الفارغة والبطون الخاوية لغالبية الشعب.
وبات الغلاء القاسم المشترك في الحديث بين جميع الطبقات بل بين أفراد الأسرة الواحدة، خصوصا بعدما طالت الزيادة المبالغ فيها والغير مبررة السلع الإستراتيجية والأساسية التي لا غنى عنها.
وأصبح مجرد التفكير في بعض السلع بمثابة جريمة إنسانية يعاقب بها المواطن نفسه وأهله، وخاصة اللحوم والأسماك والدجاج وحتى غالبية الخضروات والبقوليات، وغيرها.
الحكاية أصبحت أكبر من الاستغناء لمواجهة الغلاء، فالموجة السعرية المرتفعة لم تترك شيئا إلا وطالته، وضاعفت ثمنه أكثر من مرة في أوقات قصيرة متلاحقة، بل إن بعض السلع يزيد ثمنها في اليوم الواحد بصورة متكررة ومتلاحقة.
من هنا لم تعد فكرة الاستغناء مجدية، والسبب ببساطة أن الأمر في هذه الحالة سوف يعني الصوم عن الطعام حتى الموت، فكل السلع باتت فوق مقدرة المواطن.
ميزانية الأسرة المصرية أصبحت معقدة جدا بين الرواتب والدخل والمصروفات اليومية المتعلقة بالاحتياجات الأساسية والضرورية والتي لا غني عنها، ولم تعد أكثر السيدات تدبيرا قادرة على إدارة شؤون المنزل لأيام تعد على أصابع اليد، وعجز جهابذة الاقتصاد عن وضع حلول عاجلة تنقذ الأسر المصرية.
اختفاء التسعيرة الجبرية والرقابة على الأسواق دفع التجار إلى تولي زمام الأمور بما يخدم مصالحهم فقط وفقا لنظرية العرض والطلب، بل ووضع بورصة أسعار لكل سلعة من قبل تجار الجملة، أما أصحاب المحالّ فلكل منهم بورصته الخاصة يتحكم فيها كيفما شاء وبالطريقة التي تزيد أمواله تكدسا.
خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي انتشر في مصر نموذج التسعيرة الجبرية حيث كانت الدولة ملزمة بتقدير قيمة البضائع في الأسواق والتي تعد إحدى آليات الرقابة على الأسواق المرتبطة بالأنظمة الاشتراكية عبر وضع تسعير جبري لكل سلعة، ويجرم كل من يبيع بغيرها، وفي نهاية الثمانينيات تحولت مصر تدريجيا نحو السوق الحرة معتمدة على نظرية العرض والطلب.
واستغل السماسرة نظرية العرض والطلب في خلق سوق سوداء تعتمد على احتكار السلع وإخفائها وتعطيش الأسواق، ومن ثم عرضها بأضعاف ثمنها، وعندما تدخلت الدولة وفرضت التسعيرة على 7 سلع استراتيجية انضبط السوق قليلا ثم اختفت السلع من الأسواق لتعود بأسعار جديدة.
باختصار.. الاقتصاد الرأسمالي قائم على فكرة المنافسة بين التجار على السلع من حيث السعر والجودة والمستهلك صاحب القرار في عملية الشراء وفقا لإمكانياته، ولأن التجار في غياب الأجهزة القادرة على ردع الاحتكار وإخفاء السلع وتعطيش السوق وإشعال السوق السوداء وفرض الأسعار المغالى فيها فإن مواجهتهم باتت أكثر صعوبة، بل إنهم يفرضون إرادتهم على الحكومة.
من هنا نرى أن الدولة مطالبة بأن تستورد بنفسها السلع الإستراتيجية التي يحتاجها المواطنون وأن تقوم ببيعها في منافذها الخاصة بهامش ربح قليل، وهذا الأمر سيكون له فائدتان أولهما هي التخفيف عن كاهل المواطن وإشعاره أن الدولة تسانده وتقف بجانبه، وثانيهما أن هذا الأمر الذي تقدم عليه العديد من الدول في مثل هذه الأحوال سوف يدفع التجار إلى خفض أسعارهم خاصة وأن أغلبهم يحقق هامش أرباح تفوق أضعاف الأرباح المستحقة مما يساهم بشكل كبير في عودة الاستقرار إلى الأسواق خاصة إذا لم يكن هناك ما يدعو لهذه الزيادات غير المبررة.
تبقى كلمة.. لا يجب أن تتخلى الحكومة عن دورها لصالح التجار وأصحاب المصالح، فمسؤوليتها في المقام الأول هي حماية المجتمع وتوفير حياة كريمة لأفراده، وبالتالي يجب أن يكون توفير السلع الأساسية والضرورية للمواطنين بأسعار تتناسب مع إمكانياتهم على رأس أولويات الحكومة.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية