مازالت موجة الغلاء متوالية وصرخات المصريين متصاعدة إلى عنان السماء، فآلام البطون الجائعة أقوى من أشد الأمراض فتك، وصرخات الأطفال وعجز الآباء، ونظرات الحسرة في عيون الأمهات أكبر من الاحتمال، فضيق ذات اليد مع غول الأسعار الذي لا يعرف سقفا أطارت النوم من أعين الجميع.
التراجيديا المصرية اليومية التي يعيشها الغالبية العظمى من كافة الطبقات أثرت سلبيا بصورة مخيفة على أصحاب جميع المهن، فتوفير النفقات اليومية للحياة وخاصة الطعام، احتلت الأولوية على باقي الأمور، فانعكس الأمر على كل شيء يمكن تأجيله.
توالت الشكاوى لأن انفلات الأسواق استحوذ على مدخرات الشعب فالأكل والشرب أهم ويأتي في المقام الأول، فاختلفت الأولويات لدى الغالبية العظمى وامتد جدول التأجيلات إلى الضروريات.
أثناء صعودي إلى مكتبي في عمارة ضخمة مكتظة بالأطباء ومعامل التحاليل لفت نظري أن الأسانسيرات الثلاث متاحة على غير المعتاد واختفى الطابور اليومي لحجز الأماكن للصعود، وعندما استفسرت من حارس البناية عن السبب أجابني بتلقائية «الناس مش لاقية تاكل».
هذا النموذج للآثار السلبية للغلاء امتد إلى باقي المهن، ولا شك في أن انعكاساته ستكون خطيرة وسوف تزيد من طابور البطالة، وتزيد الأمور تعقيدا لأن الحاجة المتزايدة تفتح الأبواب الخلفية للحصول على الأموال، مما قد يدفع إلى المزيد من الجرائم السلبية التي تؤثر على استقرار المجتمع.
المسألة خطيرة وتستوجب الاستنفار لدى كل أجهزة الدولة لوضع حلول عاجلة، فحماية الجبهة الداخلية من أولى مسؤوليات الدولة، وتأمين السلع الإستراتيجية بأسعار مناسبة أمر خطير وجلل، خاصة إذا قفزت الأسعار بهذه الصورة التي فاقت الاحتمال وقدرات الجميع، في ظل انهيار قيمة الجنيه، وبالتالي انخفاض كبير للدخل، مما أصاب الجميع بالعجز أمام الوفاء بأبسط الاحتياجات وهي الأكل والشرب، ناهيك عن باقي متطلبات الحياة الضرورية وخصوصا العلاج والتعليم وغيرها والتي أصبحت من الرفاهيات.
العشوائيات السعرية التي تشهدها الأسواق حاليا خطرا كبيرا يهدد أصحاب البطون الخاوية كما تهددهم قلة الحيلة بالموت جوعا في ظل هذه الموجة غير المسبوقة والتي لم تشهدها البلاد من قبل.
إذا تخلت الحكومة عن مسؤولياتها وتركت التسعيرة وبورصة الأطعمة في يد التجار وسماسرة الأسواق وحيتان الاستيراد، فإنهم لن يرحموا المصريين وسيتحولون إلى حكومة موازية، ولن تفلح الآليات الهزيلة في مراقبة الأسعار، وسوف يثبت هؤلاء على أرض الواقع أنهم الأكثر قوة ونفوذا ممن ارتضوا لأنفسهم أن يجلسوا في مقاعد المتفرجين.
باختصار.. فشلت المقاطعة الشعبية للسلع المغالى فيها في وقف جشع التجار، وبات على جموع المستهلكين مقاطعة جميع السلع بلا استثناء نظرا لأن سقف الغلاء طالها حتى وصل لوجبات الفقراء «الفول والعدس ورغيف الخبز وقرص الطعمية»، في ظل غياب تام لجميع أجهزة الدولة المعنية.
تبقى كلمة.. الحديث عن عدم قدرة الحكومة على ضبط الأسواق والأسعار أمر خطير وجلل، يجب الرد عليه بقوة وتشكيل وحدة عمل طوارئ فورا تملك حق الضبطية القضائية للتواجد بالأسواق والسيطرة عليها وإعادة هيبة الدولة وبث الطمأنينة في قلوب المواطنين وتنفيذ حملات رقابية ناجحة على أرض الواقع لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، فنحن نؤمن أن موجة الغلاء طالت العالم، ولكن ما يحدث في مصر ترسيخ لفكرة حكومة التجار وأصحاب المصالح في غياب حكومة الشعب.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية