بقلم – رائد العزاوي
قليلون من ساروا فى ذلك الطريق من مكة إلى المدينة المنورة.
فى إحدى زياراتى إلى أرض الحجاز قررت أن أرى كيف سار النبى محمد -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه أبوبكر لم أجد الكثير ممن يشجعنى على تلك الفكرة إلا صديق واحد أخذنى بسيارته كنّا باحثين عن سر هذه المسيرة التى غيرت مجرى الرسالة السماوية المحمدية.
غار أو كهف بسيط عندما تراه تستغرب كيف دخل ثلاثة أشخاص فيه؟
وتستغرب للحجارة الصماء التى تسور هذا الغار، وتستغرب أكثر كيف لهذا الصحراء الكبيرة أن يكون لها تشكيل رسالة سماوية عظيمة.
فى مكة وخلال ١٣ عاما لم يستجب لمحمد إلا ١٥٤ فردا ما بين الضعفاء والأقوياء، من له مال والفقير، السيد والعبد، آمنوا بمحمد كلهم وساروا إلى المجهول، حيث يثرِب الخضراء، وحيث الزرع والعمل والتجارة والثقافات المتعددة والأديان السابقة (المسيحية واليهودية) لكنهم وجودوا فى المدينة قلوبا يملؤها الحب والخير.
وهكذا وعلى بعد نحو ٣٠٠ كيلو جنوب المدينة المنورة أدرك (سراقة) الركاب، ووصل حيث النبى، لكن أقدام فرسه خانته وغرست فى رمال الصحراء فنزل عنه طالبا رقبة محمد وأبى بكر فى مقابل ١٠٠ ناقة وهى تعادل مليون دولار فى أيامنا هذه.
– ارجع يا سراقة ولَك سوار كسرى ملك الفرس.
– أتهزأ بى يا محمد.
– لا ورب محمد لك سوار كسرى إن أفلتنا.
– يا محمد ليس لك ضامن.
– النبي: إنى أشهد العباس عمى.
وهنا كانت المفاجأة فقد كان العباس عم النبى يعطى المال بالربا وكان سراقة مدينا للعباس عم النبى.
يقول أبوبكر يا رسول أيفلتنا بسوار صبى.
يقول النبى نعم إن الله ليفتح أرض السواد والشام باسم الله وعلى بركة الله.
هكذا إذن تكون الرسالات وأصحابها، وهكذا إذن تكون أيضًا سير الصالحين الصادقين الموفين بعهودهم.
لم يكن الكثير يصدق محمدا، حتى أقرب الناس إليه وهم يعرفونه الصادق الأمين، لكن إيمانه بأن الله معه، وصدقه مع نفسه قبل صدقه من الناس جعل منه أمة تسير على الأرض.
هكذا هو صاحب الهجرة، فهل كنّا مهاجرين إلى الله؟ كما يدعى المتأسلمون وإخوان الشيطان!
هؤلاء الذين شوهوا رسالة النبى وجعلوا من الإسلام مادة يسخر منها الآخرون، وأصبحت فئة ضالة تقتل باسم الرسالة المحمدية لا بل وتجيز ما لا يقبله عقل ولا منطق ولا ضمير.
إن الرسالة التى هاجر من أجلها النبى محمد فى خطر كبير وإن احتفالنا بها لا قيمة لها ما لم نكن على قدر أهمية الرسالة وصاحبها، والتاريخ لن يرحمنا حتى إن صدأت ذاكرتنا واستخدمنا مفكرة زمنية.
ما لم نصلح حالنا ونصلح شئوننا.
ألا قد بلغت.. اللهم فاشهد.. وكل عام وأنتم بخير.