في الوقت الحالي، هناك ثلاث نقاط خلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل فيما يتعلق بتفاصيل مواصلة الحرب: فكرة أن إسرائيل تعرقل المساعدات الإنسانية؛ وعدد القتلى من المدنيين غير المقاتلين؛ وغزو عسكري محتمل لرفح، على الطرف الجنوبي من غزة. وكان من الممكن حل هذه الخلافات لو كانت بين نتنياهو وبايدن علاقة عمل وصادقة وحسنة النية..
استطاعت إسرائيل في البداية كسب تعاطف العالم بشأن الحرب في غزة ؛ ثم تحول التعاطف إلى عزلة عالمية وإدانة واسعة النطاق..والسبب هو بنيامين نتنياهو صاحب براءة الاختراع، في هذا الشأن .
وهذا ما يراه ألون بنكاس، القنصل العام لإسرائيل في نيويورك من عام 2000 إلى عام 2004. كاتب العمود في صحيفة هآرتس. فهو يراى أن نتنياهو سعى عمدا وعن قصد إلى مواجهة مع الولايات المتحدة منذ أواخر أكتوبر. إن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2728 ، الذي يطالب بـ «وقف فوري لإطلاق النار»، ليس سوى أحدث ذريعة لهذه المواجهة المتعمدة. قد يبدو الأمر غريبا بالنسبة لك، بالنظر إلى أن البلدين حليفان وثيقان، وبالنظر إلى اعتماد إسرائيل الكبير على المساعدات العسكرية الأمريكية ومظلتها الدبلوماسية، وخاصة بالنظر إلى دعم الرئيس بايدن الساحق والثابت لإسرائيل منذ كارثة 7 أكتوبر.
لكن لدى نتنياهو سببان للتحريض على مثل هذه المواجهة. الأول هو الإضاءة الغازية النقية على نطاق واسع. لقد اختلق رواية من المفترض أنها تشرح سياق الحرب، وبالتالي تعفيه من المسؤولية والمساءلة التي يرفض باستمرار تحملها. كما أنه يصرف الانتباه عن سياسته المعلنة المتمثلة في مطالبة قطر بمنع تحويل المزيد من الأموال إلى غزة لتعزيز حماس، وكل ذلك من أجل إضعاف السلطة الفلسطينية وجعل أي مفاوضات سياسية مستحيلة.
ووفقاً لهذه الرواية، كان يوم 7 أكتوبر مجرد كارثة كان من الممكن تجنبها لو لم تفشل قوات الدفاع الإسرائيلية واستخبارات الشاباك. والمشكلة الأكبر الآن، بحسب نتنياهو، هي إمكانية قيام دولة فلسطينية، فالعالم يحاول وخاصة الولايات المتحدة، فرضها على إسرائيل منذ الهجوم. بالطبع، من المستحيل أن يتم «فرض» دولة فلسطينية جديدة من الخارج. لكن هذا التأطير يسمح لنتنياهو باسترضاء ائتلافه اليميني المتطرف وشركائه، الذين عارضوا منذ فترة طويلة بقيام أي شكل من أشكال الدولة الفلسطينية. ويسمح له بجعل الصراع مع الولايات المتحدة نقطة محورية، بدلا من إخفاقاته..
أما السبب الثاني فهو أكثر حداثة وعملية: فالمواجهة تدور حول جعل بايدن كبش فداء لفشل نتنياهو في تحقيق «النصر الكامل» أو «القضاء على حماس»، وهما شعاران من نوع كعكة الحظ التي يقذفها بانتظام.
إن قرار مجلس الأمن الذي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار، والذي تبنته 14 دولة مع امتناع الولايات المتحدة عن التصويت، يضع إسرائيل على مسار تصادم مزدوج: مع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولكن بشكل أكثر أهمية، مع الولايات المتحدة. يؤكدها نوبات الغضب التي يعاني منها نتنياهو بشأن مدى «دهشته» من امتناع الولايات المتحدة عن التصويت. رغم أن إدارة بايدن حذرته مرارًا وتكرارًا من أن هذه النتيجة ستكون حتمية إذا استمر في تعنته وتحديه ورفضه الفعلي للتعامل مع الولايات المتحدة، الحليف القوي والحامي لإسرائيل. وفي الآونة الأخيرة، حذرت وزارة الخارجية بقيادة بلينكن إسرائيل من أنها أصبحت معزولة بشكل متزايد وأنها معرضة لخطر إلحاق «ضرر أجيال» بسمعتها وصورتها.
لو كانت إسرائيل قد تعاملت بجدية مع الولايات المتحدة بشأن أي من القضايا المذكورة أعلاه، دون الموافقة بالضرورة على كل شيء، لكانت قد منعت هذا الصدع. لدى الولايات المتحدة خلاف أساسي طويل الأمد مع إسرائيل: الافتقار إلى هدف سياسي متماسك للحرب، والذي يجب أن تتماشى معه الوسائل العسكرية. واستفسرت الولايات المتحدة مراراً وتكراراً عن أهداف إسرائيل، ولم تحصل إلا على «إسقاط حماس»، وهو هدف جدير بالاهتمام، لكنه لا يتناول «اليوم التالي».
فيما يتعلق بمجلس الأمن، ستشرح إسرائيل لنفسها بشكل ملائم أن القرار ليس مشكلة كبيرة، وأنه لا يوجد تهديد وشيك بفرض عقوبات. لكن القرار يضع إسرائيل في وضع مزعج وغير مستقر بالنسبة للدولة. الساحة الأكثر أهمية هي العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل. لقد تم توثيق تدهورها في عهد نتنياهو بشكل جيد خلال العام الماضي، لكن قرار مجلس الأمن يمثل مستوى منخفضا جديدا.
منذ شهر يناير تقريبًا، قامت الولايات المتحدة بمراجعة تقييمها لإسرائيل بشكل سلبي في عهد نتنياهو. فهو لا يتصرف كحليف، وقد تراكم لديه عجز مدمر في المصداقية على مر السنين في العديد من القضايا، وقد فشل عمداً في التوصل إلى خطة لغزة ما بعد الحرب – إلى درجة أنه الآن موضع شك جدي في واشنطن. المواجهة الحالية حول قرار مجلس الأمن تعمل على توسيع الصدع إلى درجة أنه من المستحيل رؤية كيف سيتغير المسار طالما بقي نتنياهو في السلطة.
في الواقع، لدى نتنياهو سجل حافل بالمواجهات والمشاحنات المتكررة مع الإدارات الأمريكية، من جورج بوش الأب إلى بيل كلينتون، وباراك أوباما، والآن بايدن. ويجب أن نضيف أن تدخله – غير الناجح – في السياسة الأمريكية هو أيضًا سمة مألوفة له منذ التسعينيات.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية