أذا أردت معرفة ما سيحدث في لبنان، عليك معرفة كيف تشكلت رؤية نصر الله للعالم من خلال تاريخه الشخصي.
ففي سن المراهقة وسط العنف الطائفي في الحرب الأهلية اللبنانية، انضم لفترة وجيزة إلى ميليشيا أمل الشيعية في سن الخامسة عشرة قبل أن يذهب للدراسة في مدرسة دينية في النجف بالعراق، حيث طرده صدام حسين مع طلاب لبنانيين آخرين في عام 1978.
تحت تأثير معلمه، رجل الدين البارز والمؤسس المشارك لحزب الله عباس الموسوي، الذي التقى به لأول مرة في العراق، انضم إلى حزب الله في عام 1982 بعد الغزو الإسرائيلي للبنان، عندما انفصلت الجماعة عن حركة أمل. وعندما اغتالت إسرائيل الموسوي في عام 1992، حل محله كأمين عام لحزب الله.
في عام 2006 وصف نصر الله كيف تشكلت معتقداته عندما شاهد هو وزملاءه «ما حدث في فلسطين، وفي الضفة الغربية، وفي قطاع غزة، وفي الجولان، وفي سيناء»، ليردد حينها: «لا نستطيع الاعتماد على دول جامعة الدول العربية، ولا على الأمم المتحدة … والطريقة الوحيدة المتاحة لنا هي حمل السلاح ومحاربة قوات الاحتلال».
وما لا يُقال غالباً هو أن ارتباط نصر الله الإيديولوجي بـ «المقاومة» يتطلب الصراع مع إسرائيل ـ أو التهديد بها ـ لإضفاء معنى عليه وتبرير وجود حزب الله والقوة التي أوجدها في لبنان.
في 26 مايو 2000، وصل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، إلى بلدة بنت جبيل اللبنانية الصغيرة، على بعد بضعة كيلومترات من الحدود الإسرائيلية. كان يبلغ من العمر 39 عامًا آنذاك، ويرتدي عمامته السوداء المألوفة وثوبًا بنيًا، وألقى أحد أشهر الخطب في حياته المهنية.
وفي اليوم السابق لوصوله، انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان بعد احتلال دام سنوات، حيث تعرضت لمضايقات من جانب حزب الله وجماعات أخرى. وتجمع الآلاف من المؤيدين هناك تحت الرايات الصفراء لحزب الله.
ألقى نصر الله خطابا شهيرا أكد فيه أن إسرائيل «ضعيفة مثل بيت العنكبوت» على الرغم من أسلحتها النووية. وقد أصبحت المواضيع التي تناولها في خطابه في ذلك اليوم تحدد رؤية نصر الله للعالم في العقود التي تلت ذلك، حيث دمجت مفاهيم اللاهوت الشيعي وخطاب التحرير، وتأسست على الاعتقاد بأن المقاومة الحقيقية يمكنها التغلب على قوة عسكرية متفوقة بكثير.
ومنذ ذلك الحين، تحول حزب الله، سواء كقوة مقاتلة أو في علاقته مع الدولة اللبنانية الهشة، ليصبح قوة سياسية واجتماعية. ولكن في حين أن خطاب نصر الله ربما ظل دون تغيير، فإن تقديره لهشاشة القوة، حتى بالنسبة لأقوى جهة فاعلة غير حكومية مسلحة في العالم، قد تحور وقاد حزب الله إلى حافة صراعه الأكثر خطورة.
لقد أرسلت صواريخ وطائرات بدون طيار إلى إسرائيل، بينما تضرب إسرائيل أهدافًا في لبنان وحزب الله بغارات جوية.
عندما يلقي نصر الله خطاباً هذه الأيام، لا يظهر نصر الله شخصياً، بل على شاشة التلفزيون. أصبحت خطابات نصر الله الطويلة والمتكررة في كثير من الأحيان موضوعاً لتفسيرات لا نهاية لها خلال الأشهر الثمانية الماضية من الحرب في الشرق الأوسط.
في حين يتم تصوير نصر الله وحزب الله في كثير من الأحيان باعتبارهما وكيلين لإيران، فإنهما أكثر من ذلك. فهما لاعبان إقليميان مهمان في حد ذاتهما، إلى جانب ارتباطهما العميق بطهران.
إن سياسة نصر الله في الأسابيع الأولى من الاشتباكات عبر الحدود التي بدأت في 8 أكتوبر، أي بعد يوم واحد من هجوم حماس المفاجئ على جنوب إسرائيل، كانت مصممة ظاهرياً لتخفيف الضغط على الجماعة الفلسطينية المسلحة في غزة، وهي استراتيجية يبدو أنها كانت أكثر فعالية. على الصعيد الدبلوماسي أكثر منه على الصعيد العسكري. نسج نصر الله القضايا الإقليمية العالقة على الحدود اللبنانية بما في ذلك مزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل، والتي تطالب بها سوريا أيضاً.
ومن خلال تنحية الوضع الراهن بين إسرائيل وحزب الله جانباً والذي ظل قائماً منذ نهاية حرب لبنان الثانية التي دامت شهراً في عام 2006 والتي جلبت دماراً هائلاً للبنان، فقد رمي نصر الله حجرا. مكذبا الغموض المتعمد في تصريحاته، التي تتأرجح بين التهديدات للمدن الإسرائيلية والإصرار على أن جماعته لا تريد حربا شاملة.
وفي الأشهر اللاحقة، أدت ديناميكيات الحرب المتصاعدة إلى وصول الاعتبارات التي دفعت نصر الله إلى دخول الصراع إلى نقطة الانهيار. لقد أصبح “الصراع المُدار” خارج نطاق السيطرة على نحو متزايد مع استهداف إسرائيل كبار مسؤولي حزب الله وإطلاق حزب الله النار على أهداف عسكرية ومدنية إسرائيلية، ومؤخراً هدد حيفا ومدن أخرى.
وفى الحقيقة أن الصبر الاستراتيجي هو جزء من نظرة حزب الله. وما نفعله لفهم موقف حزب الله لا يتجاوز التخمينات والافتراضات، لكننا لا نصل إلى الشبكة الداخلية لفهم عمليات صنع القرار.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية