غزة العزة والكرامة والصمود العربي في مواجهه العدو المحتل، فمنذ السابع من أكتوبر الماضي وحتى الآن، ضرب أهل غزة شيوخاً وشبابا ونساء وأطفالاً أروع الأمثلة في الدفاع عن الوطن في مواجهة المرتزقة الصهاينة وداعميهم من الأمريكان والأوروبيين، وغيرهم الكثير من أولئك الذين يطلق عليهم الشياطين الخرس الذين أغمضوا أعينهم عن الحقيقة وتباطؤوا في نصرة إخوانهم ومقدساتهم من العبث الصهيوني.
الحقيقة إن ما أحدثته الحرب البربرية من دمار شامل، استخدم خلاله جيش الاحتلال ترسانات عسكرية عصرية منها أسلحة مسموح استخدامها في الحروب، وأخرى محرمة دولياً، ومشاهدته أرضها الطيبة من ارتكاب جرائم حرب، سوف يتوقف أمامها التاريخ طويلاً، وسوف يتم ملاحقة مرتكبيها أجلا أو عاجلا في المحاكم الدولية.
خلال الفترات الماضية ومنذ انطلاق طوفان الأقصى تشهد غزة أعنف الحملات العسكرية الإسرائيلية، وما تم استخدامه من كمية متفجرات استهدفت القطاع صغير المساحة المكتظ بالسكان، أشارت تقارير إعلامية إلى أنها تقدر بقوة تعادل قنبلتين نوويتين من النوع الذي ألقى على هيروشيما ونجا زاكي.
وتشير التقديرات إلى أن العمليات العسكرية المتواصلة تم خلالها استخدام آلاف الأطنان من المتفجرات من بينها قنابل شديدة التدمير، قضت تماما على المباني السكنية والبنية التحتية الحيوية والمستشفيات والمدارس، كما أنها حصدت الآلاف من أرواح الشهداء.
شهداء غزة من المدنيين زاد عددهم عن 43 ألف شهيد، النسبة الأكبر منهم من النساء والأطفال، وهناك عشرات الآلاف من الجرحى المصابين بإصابات شديدة، والذين عجزت المستشفيات التي خرجت عن العمل عن اسعافهم، بالإضافة إلى الآلاف من المفقودين الذين يرجح أنهم في تعداد الشهداء.
وتعمد جيش العدو تدمير أحياء بأكملها بما في ذلك الأبراج السكنية، كما استهدف المرافق الحيوية «المستشفيات والمدارس ومحطات الكهرباء والمياه»، والهدف منذ البداية كان واضحا، وهو تحويل أرض غزة إلى منطقه لا يمكن الحياة فيها.
ولم يتوقف الأمر على التدمير وإزهاق الأرواح الطاهرة البريئة بدون ذنب، بل إن الكارثة التي أغمض العالم عينيه عنها، كان لها بعداً إنسانياً حيث نزح مئات الآلاف من السكان بسبب الهجمات المكثفة، وزاد من إجبارهم على ذلك النقص الحاد الذي تعرض له القطاع في الغذاء والمياه والدواء والذي يمثل أسباب الحياة، وذلك نتيجة الحصار والقصف المتواصل.
وكمية المتفجرات التي ألقيت على قطاع غزة تذكرنا بما حدث خلال الحرب العالمية الثانية، حيث ألقت الولايات المتحدة الأمريكية قنبلتين نوويتين على اليابان عام 1945 ما أدى إلى دمار شامل وخسائر بشرية فادحة، وأدان العالم هذه الحادثة لاستخدام أمريكا القوة المفرطة.
وعلى الرغم من أن ترسانة الأسلحة التي استخدمتها إسرائيل في حربها على غزة ليست أسلحة نووية، إلا أن الواقع يكشف أن المتفجرات التي ألقاها جيش الاحتلال على القطاع والتدمير المهول الناتج عنها يعادل في قوة تأثيره ودماره قوة قنبلتين نوويتين.
بالطبع استخدام تلك القوة المفرطة وهذا الكم الهائل من المتفجرات يعد انتهاكا صارخاً للقانون الدولي الإنساني الذي يفرض حماية المدنيين في النزاعات المسلحة.
وإذا كان العدو الصهيوني يدعي أن تلك الحملة الهمجية البربرية هدفها ردع المقاومة الفلسطينية، إلا أن ما يحدث هو عقاب جماعي وسياسة إبادة ينتهجها العدو الصهيوني بهدف إنهاء القضية الفلسطينية إلى الأبد.
الكارثة الإنسانية التي تعرض لها أهالي غزة في ظل ضعف ردود فعل المجتمع الدولي، كانت بمثابة الضوء الأخضر للاحتلال على الاستمرار في استخدام تلك القوة الغاشمة كونها تضمن عدم المحاسبة.
الأزمة الإنسانية التي يشهدها قطاع غزة وما أحدثته تلك المتفجرات من أثار تدميرية بالغة سيحتاج إلى سنوات طويلة لإعادة الإعمار، كما أنه سيخلف أثار نفسية تدميرية لدى الناجين من السكان لسنوات أطول.
رد فعل المجتمع الدولي الذي تأخر كثيراً حتى وإن جاء فإنه سيكون في ظل واقع مأساوي يصعب التعامل معه.
سياسة الأرض المحروقة التي يتبعها الاحتلال الإسرائيلي جريمة حرب تستدعي تحقيقا دوليا ومحاسبة المسؤولين بأقصى سرعة.. غزة التي أصبحت رمزاً للصمود في العالم ستظل في حاجة ملحة إلى دعم سياسي وإعلامي وإنساني دولي لفتح ملف هذه الجرائم والوقوف بجوار الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل الحرية.
الأمر يحتاج إلى تدخل حازم لرفع الحصار وتعزيز الإغاثة وإنشاء صندوق عربي إسلامي لإعادة إعمار غزة، وتعزيز قدراتها على الصمود والتصدي، كما أنه يحتاج إلى توحيد المواقف العربية والإسلامية، وتفعيل الدبلوماسية الدولية للضغط على القوى الكبرى ومجلس الأمن لفرض قرارات تلزم إسرائيل على وقف العدواني ورفع الحصار، ورفع شعار لا للتطبيع مع العدو الصهيوني دون حل للقضية الفلسطينية كشرط أساسي لبدء الحوار.
بالإضافة إلى محاكمة الاحتلال دولياً عن طريق استخدام الأدوات القانونية لملاحقة قادة الاحتلال على جرائم الحرب التي ترتكب في غزة والعمل على تطوير قدرات المقاومة الفلسطينية بتمكينها من الدفاع عن نفسها، وردع العدوان، والسعي لإرسال قوات حفظ سلام دولية لحماية المدنيين من تلك الانتهاكات المجرمة في القوانين الدولية والقوانين الإنسانية.. ويبقى ضرورة دعم حملات مقاطعه المنتجات الإسرائيلية والشركات التي تدعم الاحتلال.
باختصار.. غزة التي تتعرض إلى حرب إبادة جماعية طوق نجاتها الوحيد في يد العرب والمسلمين.. الأمر يحتاج إلى قوه عربية إسلامية موحدة بعيداً عن البيانات السياسية وردود الأفعال الرمزية وبيانات الشجب والتنديد ومصمصه الشفاه.
غزة تتطلب موقف عربي إسلامي موحد عبر استراتيجية شاملة تتضمن كافة الجوانب العسكرية والسياسية والإنسانية مع التركيز على العمل الجماعي والتنسيق الدولي.
إنقاذ غزة لا يحتاج إلى خاتم سليمان، وإنما يحتاج أن نعود إلى عروبتنا وديننا، وأن نتجاوز الخلافات ونوحد الرؤى والجهود، وأن نضع استراتيجية شاملة لعملية الإنقاذ السريع، مع ضرورة الإدراك بأن دعم القطاع واجب أخلاقي وقومي وعروبي وديني لا يمكن تأجيله، فقد حان وقت التكاتف والتنسيق فإن نبدأ متأخرين خير من ألا نبدأ.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا