على مدار العقد الماضي، أصبحت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مسرحًا لصراعات معقدة تشابكت فيها المصالح الدولية والإقليمية.
ومن بين هذه الصراعات، تبرز تجربتا سوريا وليبيا باعتبارهما نموذجين يتشابهان في الملامح العامة ويتمايزان في التفاصيل.
ومع تصاعد التوترات السياسية والعسكرية في ليبيا، يبرز السؤال: هل يتكرر سيناريو سوريا في ليبيا؟
بداية هناك تشابهات عميقة بين الأزمتين من حيث:
* التدخلات الدولية والإقليمية: في كلا البلدين، لم تكن الأزمات مجرد صراعات داخلية بل كانت ساحات لتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية والدولية.
فكما تدخلت روسيا وإيران وتركيا وأطراف غربية في سوريا، نجد في ليبيا دولاً مثل تركيا وروسيا ومصر والإمارات تلعب أدوارًا محورية في تحديد مسار الأزمة.
* الانقسامات الداخلية: شهدت سوريا انقسامًا حادًا بين النظام والمعارضة، تمامًا كما تعاني ليبيا من انقسام بين الشرق والغرب، ممثلًا في حكومة طرابلس وحكومة بنغازي.
* الميليشيات والجماعات المسلحة: في كلا البلدين، لعبت الميليشيات دورًا مركزيًا في المشهد العسكري والسياسي، مما جعل الحلول السلمية أكثر تعقيدًا.
* التبعات الإنسانية الكارثية: أدى الصراع في سوريا إلى نزوح ملايين اللاجئين، وهو ما بدأت ليبيا تشهده بشكل متزايد، خاصة مع تصاعد العنف.
وعلى الرغم من كل تلك التشابهات فهناك عوامل قد تحول دون تكرار سيناريو سوريا بالكامل في ليبيا:
* السياق الجيوسياسي: موقع ليبيا الاستراتيجي على البحر المتوسط وقربها من أوروبا يجعلها أكثر أهمية للقوى الغربية، مما قد يدفع هذه الدول إلى تسريع إيجاد تسوية سياسية.
* غياب طابع الطائفية: في سوريا، كان البعد الطائفي (علويون، سنة، شيعة) عاملاً أساسيًا في تعقيد الأزمة، بينما تفتقر ليبيا إلى هذا البعد، مما يجعل الأزمة في جوهرها سياسية واقتصادية.
* الثروات النفطية: تمتلك ليبيا احتياطيات نفطية ضخمة، وهو ما قد يدفع القوى الكبرى إلى التفاهم حول تقاسم النفوذ بدلًا من استمرار الصراع المدمر.
ورغم ذلك مازالت هناك فرص مواتية لعدم تكرار سيناريو سوريا وإغلاق الباب أمام التحالفات الدولية التي ترغب في تصدير تجربة الجماعات المسلحة في سوريا إلى بعض دول الجوار وذلك عن طريق:
* دعم الحوار السياسي: يجب على المجتمع الدولي والإقليمي دعم مسار سياسي ليبي-ليبي بعيدًا عن التدخلات الخارجية التي تعقد الأزمة.
* تقليص النفوذ الميليشيات: لا يمكن تحقيق السلام دون تحييد الميليشيات المسلحة ودمجها في مؤسسات الدولة.
* التعاون الدولي: التنسيق بين الأمم المتحدة والدول المؤثرة مثل مصر وتركيا وروسيا وأوروبا يمكن أن يسهم في استقرار ليبيا بشكل أسرع من سوريا.
باختصار.. رغم القواسم المشتركة بين الأزمتين السورية والليبية، فإن لكل منهما خصوصياتها التي تجعل من تكرار السيناريو السوري في ليبيا احتمالًا ممكنًا لكنه غير حتمي.
ويبقى العامل الأهم هو إرادة الليبيين أنفسهم في إنهاء معاناتهم وتوحيد صفوفهم لبناء دولة مستقرة وآمنة بعيدًا عن التدخلات الخارجية.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية