زرعت إسرائيل في قلب الأمة العربية، منذ 77 عاماً، عضواً غريباً في جسد العروبة، ووفقاً لقوانين الطبيعة والعقل فإن الجزء الغريب يلفظه الجسد ويرفض الانسجام معه، إلا أن الواقع الغريب أسفر عن سيطرة وتحكم الزرع الشيطاني في جسد الأمة فأنهكها وأوشك على هلاكها في غياب الإرادة العربية على المقاومة والتمسك بالحياة.
منذ تأسيسها عام 1948، انتهجت إسرائيل سياسات عدوانية تعتمد على القوة العسكرية والقمع ضد الفلسطينيين، وتوسعت تدريجيًا على حساب الأراضي والحقوق العربية.
وفي الوقت الذي أصبحت فيه إسرائيل أكثر عنفًا وتصعيدًا، يبدو العالم العربي، في مجمله، غارقًا في غيبوبة سياسية واقتصادية تمنعه من الرد بفعالية على هذه السياسات.
في عام 1948، شهد العالم العربي نكبة تأسيس إسرائيل على أرض فلسطين، وهو الحدث الذي تسبب في تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين وتشريدهم، مع تدمير قراهم ومدنهم.
منذ اللحظة الأولى، اعتمدت إسرائيل على القوة العسكرية والدعم الغربي لفرض وجودها، بينما بدت الأنظمة العربية عاجزة عن التصدي لهذه الكارثة بشكل حقيقي.
مع مرور العقود، ازدادت إسرائيل عنفًا، مستفيدة من الدعم السياسي والعسكري غير المحدود من الولايات المتحدة وحلفائها، لتزيد من فرض هيمنتها على المنطقة بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
منذ حرب 1948، خاضت إسرائيل سلسلة من الحروب المدمرة، أبرزها حروب 1956، و1967، و1973، التي انتهت بتوسعات إسرائيلية جديدة وتكريس احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة والجولان.
منذ احتلال الضفة الغربية، كثفت إسرائيل مشاريع الاستيطان، فنهبت الأراضي الفلسطينية وحولتها إلى مستوطنات تتحدى كل القوانين الدولية.
يتعرض الفلسطينيون لقمع يومي من اعتقالات تعسفية، وهدم منازل، وحصار اقتصادي، في ظل نظام فصل عنصري صارخ.
يتعرض أهالي غزة لحرب إبادة شاملة منذ السابع من أكتوبر 2023، حتى الآن وبالرغم من أحكام محكمة العدل الدولية بإصدار مذكرة للقبض على قادة الاحتلال بصفتهم مجرمي حرب، إلا أن الأحكام لحقت بسابقتها في الأدراج.
خلال النصف الثاني من العام الماضي شن جيش الاحتلال حربا شرسة في الجنوب اللبناني أسفرت عن ألاف الشهداء والمصابين، وانتهزت المعارك بين جيش الأسد والجماعات المسلحة ووسعت رقعتها الاستيطانية لتصل قمة جبل الشيخ على مقربة من العاصمة دمشق، وشنت هجما بربريا على اليمن مع أنباء عن هجوم بري محتمل بالتعاون مع أمريكا وبريطانيا.
في مقابل هذا الجبروت الصهيوني المتنامي، يعاني العالم العربي من غياب الرؤية الموحدة والفشل في التصدي للهيمنة الإسرائيلية، نتيجة للانقسامات الداخلية والصراعات الإقليمية.
شهدت المنطقة العربية انقسامات عميقة بين الأنظمة، حيث تحولت القضية الفلسطينية إلى مجرد ورقة تُستخدم لتحقيق مكاسب سياسية داخلية أو إقليمية.
منذ بداية «الربيع العربي» في 2011، غرقت الدول العربية في صراعات داخلية، مما أضعف موقفها أمام إسرائيل، وأقدمت بعض الدول العربية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، مما أضعف القضية الفلسطينية وزاد من عزلة الفلسطينيين.
مع بداية عام 2025، يستمر العنف الإسرائيلي في التصاعد، مدفوعًا بحكومات يمينية متطرفة، بينما تبدو الجهود الدولية لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في حالة جمود تام.
وفي المقابل، لا يزال العالم العربي غارقًا في أزماته الداخلية، دون أي استجابة حقيقية للتحديات التي تواجه القضية الفلسطينية.
استمرار الوضع بهذه الوتيرة، ينبئ بخسائر لا قبل لنا بها فنظرية «أنا والطوفان من بعدي» لن تكتب لأحد النجاة، وسفينة نوح لا تقوى على حمل كل هذه الإخفاقات إلى بر الأمان.
من هذا المنطلق فإننا نؤكد أنه لا يمكن مواجهة الزرع الشيطاني « إسرائيل» دون وحدة حقيقية بين الدول العربية، على الأقل فيما يتعلق بالقضايا الاستراتيجية.
ولابد من إعادة القضية الفلسطينية إلى أولويات العرب السياسية ودعم الفلسطينيين في نضالهم. أفعالاً وليس أقوالاً.
تقديم الدعم اللازم للمقاومة الفلسطينية سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا للفلسطينيين في مواجهة آلة القمع الإسرائيلية.
والأهم من ذلك أن تستخدم الدول العربية مواردها ونفوذها للضغط على المجتمع الدولي لمحاسبة إسرائيل على جرائمها.
باختصار.. منذ 1948 وحتى اليوم، أظهرت إسرائيل قدرة على استغلال ضعف العرب لتوسيع نفوذها وفرض سياساتها العدوانية.
ولكن إذا استمرت الغيبوبة العربية، فإن الخطر لن يقتصر على فلسطين وحدها، بل سيمتد إلى المنطقة بأسرها.
آن الأوان لاستيقاظ عربي يعيد للأمة كرامتها ويضع حدًا للهيمنة الإسرائيلية.