آثرت الانتظار ولا أعلق على ما حدث في سوريا الشقيقة.. وانهيار نظام بشار الأسد في ليلة وضحاها، أمام ميليشيات عسكرية دون أدنى مقاومة، وما تلاها من مظاهر وتصريحات من القيادة الجديدة لسوريا والتعيينات التي جرت في الحكومة المؤقتة وفي الجيش السوري ومنح أجانب رتباً عسكرية.
ما يجري في سوريا شبيه تماماً بما جرى مع صدام حسين، بغداد سقطت في يد الأمريكان في غمضة عين بنفس السيناريو وبنفس الطريقة وبنفس الخيانة وعلى ما يبدو أن حزب البعث بني على الخيانة وليس المبادئ كما كان يزعم منظروه.
ولكن هذه المرة سقوط دمشق كان بتدبير أمريكي وبتوافق روسي إيراني إسرائيلي تركي.. وهروب بشار إلى موسكو خوفاً من أن يلقى مصير صدام حسين.
ولأن بشار رفض كل النصائح بإدارة حوار مع المعارضة المدنية ورفض فكرة توسيع الهامش الديمقراطي في البلاد، وكلنا نتذكر قانون الأحزاب الذي أصدره في بداية الثورة السورية كان يمنع قيام الأحزاب ومصادرتها، وما حدث لبشار درس لكل حاكم يرفض الديمقراطية والتعددية وحرية الرأي والتعبير ويحبس الناس على النوايا بقوانين ألفاظها مطاطة.. التداول السلمي للسلطة هو المنجي من هذه التقلبات.
والملاحظ أن جبهة النصرة هي التي سيطرت على مقاليد البلاد، وأبعدت كل فصائل المعارضة الأخرى مثل الائتلاف الوطني وغيرها من الجماعات التي كون قياداتها ثروات كبرى نتيجة معارضة النظام السوري وهم لا صمتوا ولم يبدوا أي امتعاض على التعيينات والتشكيل الحكومي المؤقت والتعيينات في الجيش والشرطة السورية.
ولأن من كان يمول هذه الفصائل ارتضى بما يجرى في سوريا، فكان صمت قادتها هو الأسلم لأن هناك نموذجاً جديداً يتشكل في سوريا دولة دينية منفتحة نسبياً يحكمها تنظيم منذ أيام كان يصنف قائده بالإرهابي.. وتبنى القائد الجديد خطاباً يبدو منفتحاً ليس مثل خطاب طالبان فى أفغانستان ولا خطاب الإخوان في مصر عندما حكموا فهو ما زال يتحدث عن فترة انتقالية قد تطول عن 3 أشهر لكنه يتعهد في كل مرة بمشاركة كل أطياف الشعب السوري في إدارتها رغم أن قراراته تؤكد العكس تماماً.
هذا النموذج الذي لن يعادي الكيان الصهيوني وهي الحجة التي يرددها قادة جميع الفصائل الإسلامية التي تحارب الأنظمة الحاكمة في بلادها لأنها متخاذلة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين كما يزعمون وحجتهم أن الاحتلال عدو بعيد وأن الأنظمة السياسية هي العدو القريب.
أما الآن فسقطت هذه الحجة بينهم وبين إسرائيل، وأصبح العدو الإسرائيلي أمامهم مباشرة، ولكن منذ هروب بشار احتلت إسرائيل أراضي أكثر من سوريا وسط صمت تام من النظام الجديد في دمشق والعناصر المتحالفة معه حتى لم يكلف قائده سفير سوريا في الأمم المتحدة تقديم شكوى فى مجلس الأمن.
الغرب يبحث عن دولة دينية إسلامية بجوار دولة دينية يهودية بينهما تعاون وعلاقات واتفاقيات ويكون نموذجاً يتمتع بالتسامح مع الآخرين ومع حقوق المرأة في التعليم، لكنه سيفرض قواعده الأخرى المتعلقة بالزي والعمل والسفر وغيرها من الحقوق الأخرى وهو النموذج الذي فشل في أفغانستان ومصر في حكم الإخوان.
أما الأرض التي احتلتها إسرائيل في سوريا ودخولها العمق السوري، فقد يكون هناك اتفاق مع القيادة الجديدة تمهيداً لنقل مواطني غزة والضفة إلى هذه الأراضي بعد الموقف المصري والأردني الرافض لعمليات التهجير القسرى وتصفية القضية الفلسطينية.. إسرائيل والولايات المتحدة يمهدان الطريق إلى هذا الهدف وهذه المرة سيكون على يد الدواعش والنصرة والقاعدة والجماعات الإسلامية والسلفية وحتى الإخوان.
المشهد السوري الحالي والتطورات القادمة ستكون هي المحرك الأساسي في المنطقة وعلى ضوء السيناريو الحالي سوف يتحدد مصير المنطقة كلها وكذلك مصير التنظيمات المتطرفة في المنطقة والعالم وعلينا أن نراقب ما يحدث بدقة حتى لا تفاجأ بانهيار دول أخرى في المنطقة.