شهدت الأيام الأخيرة انفراجة مهمة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وهو ما بعث الأمل بإمكانية تحقيق تهدئة مشابهة في مناطق النزاع الأخرى مثل ليبيا، السودان، واليمن.. لكن، هل يمكن استنساخ هذا السيناريو في تلك الدول؟
تُعد الوساطات الدولية والإقليمية، مثل دور مصر وقطر والأمم المتحدة، عوامل رئيسية في نجاح وقف إطلاق النار في غزة.
وقد ساعدت طبيعة الصراع المحددة جغرافياً وديموغرافياً على إمكانية الوصول إلى تهدئة.
الوضع في ليبيا أكثر تعقيداً بسبب تعدد الأطراف المتنازعة داخلياً وخارجياً. التدخلات الدولية، مثل دعم بعض الدول لأطراف متنافسة، تجعل التوصل لاتفاق شامل أمراً صعباً.
ومع ذلك، فإن نجاح مبادرات مثل مؤتمر برلين قد يشير إلى إمكانية البناء على تلك الجهود لإعادة الاستقرار.
في السودان، تدور المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع، مع تداعيات إنسانية كارثية.
الجهود الإقليمية، لا سيما من الاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيغاد، تواجه تحديات بسبب تعقيد الأزمة وانعدام الثقة بين الأطراف.
ربما يمكن تطبيق حلول شبيهة باتفاق غزة إذا تضافرت الجهود الدولية لتقديم ضمانات للطرفين.
النزاع في اليمن يحمل بعداً طائفياً وإقليمياً يجعل من الصعب تحقيق سلام شامل.
رغم وجود هدنة مؤقتة في 2022 بوساطة الأمم المتحدة، لم يتم التوصل لاتفاق دائم.
قد يساهم استمرار الضغط الدولي والوساطات الإقليمية في تهيئة الظروف لإنهاء الصراع.
ومن خلال تجربة اتفاق غزة لـ وقف إطلاق النار، فقد كشفت أن نجاح أي هدنة أو تسوية يحتاج إلى دعم الأطراف المؤثرة إقليمياً ودولياً، كما أنه يجب توفير ضمانات واضحة لجميع الأطراف لمنع انهيار الاتفاقيات، بالإضافة إلى تقديم حلول سريعة للأزمات الإنسانية يساعد على خلق بيئة مشجعة للتهدئة.
تحقيق حلول دائمة للصراعات في ليبيا، السودان، واليمن يتطلب استراتيجيات شاملة ومتكاملة تستند إلى الدروس المستفادة من نجاح اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
وحتى يتم تحقيق ذلك لابد من اتخاذ العديد من الخطوات العاجلة منها تعزيز الدبلوماسية الإقليمية كما فعلت مصر وقطر في قضية غزة.
ويمكن أن توفر الأمم المتحدة والدول الكبرى الضمانات السياسية والاقتصادية لتنفيذ الاتفاقيات، مثلما حدث في دعم هدنة غزة.
ويجب إشراك كافة الأطراف المعنية عبر حوار شامل، فلا يمكن تحقيق سلام مستدام دون إشراك جميع الأطراف المؤثرة، سواء كانت قوى سياسية، فصائل مسلحة، أو ممثلين عن المجتمع المدني.
وضرورة استخدام نماذج تفاوضية مرنة مثل المفاوضات غير المباشرة أو الوساطة عبر طرف ثالث يُمكن أن يخفف من حدة التوتر، وتقديم حلول إنسانية عاجلة للسكان المتضررين يساعد في بناء الثقة بين الأطراف وإظهار جدية الحلول المطروحة.
والأهم أن تكون هناك خططاً طويلة الأجل لإعادة بناء البنية التحتية وضمان عودة الحياة الطبيعية، مما يعزز الاستقرار، ومنع الدول المتورطة في النزاعات من تغذية الصراعات لتحقيق مصالحها الخاصة، من خلال عقوبات أو ضغوط دولية.
وأخيراً وضع الضمانات الأمنية والسياسية عبر آليات رقابة مشتركة تشرف عليها الأمم المتحدة أو منظمات إقليمية لضمان التزام الأطراف، وتشكيل تشكيل حكومات توافقية أو إجراء انتخابات تحت إشراف دولي.
باختصار.. رغم اختلاف السياقات بين غزة وليبيا والسودان واليمن، فإن الدروس المستفادة من نجاح اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يمكن أن تشكل أساساً للتعامل مع هذه النزاعات.
يتطلب الأمر إرادة دولية وإقليمية قوية ومقاربة شاملة تعالج جذور الصراعات بدلاً من التعامل مع أعراضها فقط.
تحقيق حل في ليبيا، والسودان، واليمن يتطلب استراتيجية مزيجاً من الضغوط الدولية، المبادرات الإقليمية، والعمل على الأرض لتحقيق مصالح مشتركة. نجاح اتفاق غزة يُظهر أن الإرادة السياسية والوساطة الحقيقية قادرتان على تحقيق اختراقات كبيرة حتى في أكثر الصراعات تعقيداً.