ترتبط مصر و السودان بعلاقات تاريخية عميقة تمتد لآلاف السنين، إذ كان نهر النيل بمثابة الرابط الذي وحّد مصير البلدين. وعلى مر العقود، شهدت علاقاتهما تعاونًا مستمرًا في المجالات السياسية، الاقتصادية، والعسكرية.
وفي العصر الحديث، عززت اتفاقيات التعاون المشترك في قضايا الأمن والمياه والتنمية الاقتصادية هذا الترابط، مما يجعل استقرار السودان أمرًا ضروريًا وحيويًا بالنسبة لمصر من مختلف الجوانب الأمنية، الاقتصادية، والاجتماعية.
على مر التاريخ، شكّلت مصر والسودان كيانًا سياسيًا وثقافيًا مترابطًا، حيث فتحت حدودهما لحركة الأفراد والتجارة، وساهمت الروابط النيلية والانتماءات القبلية المشتركة في تقوية أواصر العلاقات بين شعبيهما.
ومن منطلق هذا الإرث التاريخي المشترك، أكدت مصر دومًا رفضها القاطع لأي محاولات تستهدف تقسيم السودان أو زعزعة وحدته وسلامة أراضيه. كما عبرت عن معارضتها لتشكيل أي حكومة موازية قد تؤدي إلى تعقيد الأزمة الراهنة التي تمر بها البلاد.
تؤكد القاهرة على موقفها الثابت والداعم لوحدة السودان واستقراره، رافضة بقوة أي تحركات تهدف إلى فرض واقع سياسي موازٍ من شأنه تعميق الانقسامات الداخلية. وترى ذلك تهديدًا يمس الشعب السوداني الذي يعاني بالفعل من تداعيات الصراع المستمر.
وفي هذا السياق، أبدت مصر انزعاجها من الاتفاق الذي وقّعته قوات الدعم السريع مؤخرًا مع بعض الجماعات المسلحة السودانية، والذي ينص على تشكيل «حكومة سلام ووحدة» في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.
وترى مصر أن هذه الخطوات لا تخدم إلا في تعميق الانقسام وتعطيل فرص التوصل إلى حل سياسي شامل ومتكامل يجمع كافة الأطراف تحت مظلة وطنية موحدة. ومن هذا المنطلق، تتابع القاهرة تطورات الأزمة عن كثب، وتبذل جهودًا دبلوماسية مكثفة لدفع العملية السياسية نحو حل مستدام وشامل يقوم على الحوار بين كافة الأطراف السودانية دون إقصاء، بعيدًا عن أي تدخلات خارجية تسعى إلى تأجيج النزاع أو تحقيق أجندات لا تنسجم مع تطلعات الشعب السوداني.
وفي إطار رؤيتها لحل الأزمة، دعت مصر المجتمعين الإقليمي والدولي إلى احترام سيادة السودان وعدم التدخل في شؤونه الداخلية. وشددت على أن الحل يجب أن ينبع من إرادة سودانية خالصة، تعبر عن رغبة أبناء السودان في تحقيق السلام والاستقرار والتنمية. فتعقد المشهد الراهن لا يؤدي فقط إلى إطالة أمد النزاع، بل يعرقل أيضًا جهود القوى السودانية الرامية إلى التوصل لحل وطني جامع.
استمرار حالة الانقسام والانهيار المؤسسي يؤدي إلى تفاقم المعاناة الإنسانية في السودان، حيث يجد المدنيون أنفسهم أمام نقص حاد في الخدمات الأساسية وتدهور الأوضاع المعيشية. وبالتالي، يصبح التحرك العاجل لإنهاء النزاع وتحقيق الاستقرار ضرورة لا يمكن تأجيلها.
أهمية استقرار السودان لمصر ترتبط بأبعاد استراتيجية وجغرافية وتاريخية، بالإضافة إلى المصالح المشتركة التي تجمع الشعبين. ومع تصاعد التوترات والمخاوف من انزلاق السودان إلى فوضى أعمق نتيجة الصراعات والانقسامات السياسية، يتضح أن السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة يكمن في الحوار الشامل والتوافق الوطني الذي يحفظ وحدة الأراضي السودانية واستقرارها. في الوقت نفسه، يعزز ذلك مسيرة التعاون والتكامل بين البلدين الشقيقين لتحقيق مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا للمنطقة بأسرها.