مجدي حلمي يكتب:
من الحديث الشريف قول النبى صلى الله عليه وسلم: «ما بعث الله من نبى ولا استخلف من خليفة إلا له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه. فالمعصوم من عصم الله تعالى.
ومن أقوال الخليفة الأموى عبدالملك بن مروان قوله «إن أول العدل أن يعدل الملك فى بطانته ثم الذى يلونه والذى يلونه حتى يصل إلى الطبقة السفلى».
والبطانة أو ما يسمى حالياً المجموعة المحيطة بالحاكم سواء موظفين أو مستشارين أو أصدقاء هم من يجعلون الحاكم محبوباً من الشعب أو يجعلوه مكروهاً، والبطانة هى مسئولية الحاكم، فهو الذى يختارها وهو الذى يمنحها السلطة والاختصاصات وبالتالى أى فشل لا يجوز أن ننسبه للبطانة فقط ولكن للحاكم نفسه.
ومصر شهدت نوعيات مختلفة من البطانات التى كانت حول الرؤساء، ففى عهد جمال عبدالناصر تحولت إلى مراكز قوى فى البلد وأصبح مدير مكتب الرئيس هو الذى يأمر وينهى وأصبح يجلس فى الاجتماعات قبل الوزراء وقبل رئيس الوزراء وقرأنا عما قاموا به من فظائع وأعمال والثروات التى جمعوها وأرسوا قواعد دولة الفساد التى نعيش فيها حتى الآن.. وهم من ورطوا مصر فى نكسة يونيو فهم نجحوا فى عزل الرئيس عن الشعب.. وفرضوا على البلد حكماً ديكتاتورياً لا يوجد فيه رأى مخالف وكانت حجتهم وقتها أننا فى حالة حرب مع العدو الإسرائيلى.
أما بطانة الرئيس السادات كانت تزين له كل القرارات التى أغضبت الرأى العام بعد نصر أكتوبر، ومنها القرارات الخاصة بالانفتاح الاقتصادى والتى أدت إلى انهيار الاقتصاد المصرى وهم من استفادوا من هذه الحقبة خاصة السنوات الأخيرة من حكمه.. فمنهم من جعله يحضر عفريت الإخوان لمواجهة الناصريين وما أسماهم الشيوعيين، وكانت النتيجة كما شاهد العالم كله مقتله على أيدى حلفاء الإخوان وهم الجماعة الإسلامية.
أما بطانة الرئيس مبارك فحدث ولا حرج وهى بطانة تنوعت ما بين مجموعة من الموظفين فى القصر الرئاسى ومجموعة الحزب الوطنى.. والمجموعة التى التفت حول ابنه جمال مبارك وهى المجموعة التى نجحت فى الإساءة إلى مبارك أكثر من المجموعات الأخرى وهى المجموعة التى رسخت الفساد فى هذه الأمة ولوثت كل شريف واغتالت كل صاحب رأى معنوياً وإعلامياً.
فموظفو القصر كان نفوذهم يصل إلى تهديد رؤساء وزراء إذا تأخروا عن حضور موعد الاجتماع قبل عقده بنصف ساعة.. وكانوا يتصدرون المشهد فى كل المفاوضات التى يقوم بها الرئيس قبل الوزراء المختصين.. وامتد نفوذهم إلى التحكم فى الصحف القومية والخاصة وتوجيهها وكانت عبارة الرأس الكبيرة أو الرجل الكبير تطلب أو تريد هى سلاحهم.
أما مجموعة الحزب فحدث ولا حرج فساد فى كل مكان ملايين من الجنيهات جمعوها لدعم أنشطه الحزب.. ورغم حل الحزب الوطنى فلم نجد تقريراً من جهاز المحاسبات حول أموال هذا الحزب وكيف صرفت.. وتحول الحزب الوطنى إلى نادٍ لتخليص المصالح وضم أغلب رجال الأعمال فى مصر.
الذين سارعوا فى عهد الإخوان إلى الانضمام إلى جمعية بداية الإخوانية.
أما المجموعة الثالثة فنجحت فى عزل مبارك عزلة تامة عن كل من حوله من مجموعات وهى المجموعة التى احتكرت أغلب الصناعات الاستراتيجية من حديد وصلب وأسمنت وإسكان وسياحة وأصبحت توزع على نفسها الملفات المهمة ونجحت فى عزل مبارك حتى عن مستشاريه المقربين.
أما بطانة مرسى فكانت عصابة بمعنى الكلمة أرادوا سرقة أمة وشعب وأرض فكان فسادهم مثل فساد بطانة مبارك فثار الشعب ضدهم.
فالبطانة التى تحاصر الحاكم وتمنع الناس من الوصول إليه. تفتح الباب أمام الشائعات حولها وحول نفوذها وحول دور كل فرد فيها. فشهوة المنصب والنفوذ قد تصيب أفراد البطانة بالغرور، وهنا يكون الباب مفتوحاً لالتفاف الفاسدين والمنافقين والمتلونين حول أعضائها.. ووقتها لا نملك إلا الدعاء.. اللهم اكفى مصر شر بطانة السوء.