بقلم – علي الفاتح:
بدا الرئيس عبدالفتاح السيسى أثناء الدورة الثانية لمؤتمر الشباب بمحافظة أسوان منتبهاً لمعضلة أزمة الثقة بين الدولة والشعب أكثر من أى شيء آخر كان يدور النقاش حوله، الحقيقة أن هذه الأزمة تكاد تكون الشغل الشاغل له فى معظم أحاديثه التى يوجهها للمصريين، غير أنها برزت فى أسوان، لدرجة شعرت معها أن المشكلات الناتجة عن تهميش الصعيد فى خطط التنمية طوال عقود لم تكن تمثل هاجساً بالنسبة للرئيس، بقدر معضلة انعدام الثقة.
فحل التهميش نقل المُهمش إلى بؤرة الاهتمام، وهذا ما تجلى فى القرارات التى اتخذها بشأن الصعيد وأعلنها فى نهاية المؤتمر، لكنه يدرك تماماً أنه ليس بوسع دولة، مهما صدقت نواياها تجاه شعبها، أن تنجح فى خططها لمستقبل أفضل مادامت جسور الثقة بينهما هشة وضعيفة.
تلك الهشاشة عبّر عنها مشهدان جسّدا ما فعلته البيروقراطية المريضة من جرم فى حق الدولة والشعب معاً؛ الأول رد فعل وزير الصناعة والتجارة المهندس طارق قابيل على مُقترح رئيس اتحاد جمعيات مستثمرى المشروعات الصغيرة والمتوسطة علاء السقطى، بإنشاء مُجمعات صناعية كبيرة تضم عدة مشاريع صغيرة لإنتاج سلع نستوردها بمليارات الدولارات سنوياً؛ حيث قال الوزير بالفم المليان مشروعك ليس ضمن أولوياتنا، ولم يبد مُجرد الاستعداد لدراسته؛ الثانى قيام أحد شباب أسوان بتفجير قضية إلقاء الصرف الصحى ومُخلفات مصنع كيما للبتروكيماويات فى مجرى النيل وقيام المحافظ بعمل مواسير لمجرى المصرف لإخفاء الجريمة عن عين الرئيس، وأضاف الشاب: سأقول ما عندى حتى لو تم فصلى من عملى.
رد فعل الرئيس كان سريعاً على نحو يؤكد وعيه وانتباهه لإشكالية انعدام الثقة، فعلى الفور رحّب بمشروع السقطى، وخاطبه قائلاً: هيا ندرسه سوياً، وإذا كنت واثقًا من جدوى مُقترحك فسأقوم بتنفيذه البارحة وليس اليوم، وبالنسبة للشاب بادر قائلاً: أنت آمنٌ يا ابنى، وكل مصرى آمن طالما يقول بالحق، وبعد أن عرض محافظ أسوان ووزير الإسكان مشكلة المصرف وطرق حلها طلب من الحضور مرافقته فور انتهاء الجلسة إلى موقع المصرف للتأكد من مدى صدق المسئولين، وحتى يطمئن قلب الجميع.
لكن الرئيس بدا مُدركاً أيضاً أن صناعة الثقة عملية مُعقدة لا تقتصر مقوماتها على إطلاع الرأى العام على حقيقة ما يجرى، وإنما تمتد لمواجهته بما عليه من مسئولية، وما يرتكبه من أخطاء تتسبب فى معاناته إلى جانب أخطاء الحكومة، وقد أشار إلى ذلك فى قضية الصرف عندما حمل الأهالى مسئولية إلقاء صرفهم هم أيضاً إلى مجرى السيل المؤدى للنيل، وعندما واجه أهالى النوبة بمسئوليتهم عن عدم استغلالهم لما بنته الحكومة قبل عام ٢٠١١ من وحدات سكنية فى منطقة نصر النوبة بلغت ١٥٠٠ وحدة، ولم يُشغل منها سوى ٣٠٠ فقط.
وبمعنى آخر تتلاشى بعض عوامل انعدام الثقة عندما يتخلص الشعب من شعوره الدائم بالمظلومية دون أن يفكر بواجباته التى ينبغى عليه القيام بها.
أخشى أن يكون الرئيس وحده من يعى تلك الأزمة؛ فلا أظن أن المهندس علاء السقطى كان سيجد إجابة مختلفة عن ما قدمها المهندس طارق قابيل إذا كان قد عرض مشروعه على رئيس الوزراء، ومثله كثيرون يتعرضون لذات الشيء يومياً فى مستويات الإدارة الحكومية المختلفة، وما بالك بآلاف الحالات التى تُشبه شكوى الشاب الأسوانى، يقيناً أنهم يخشون مجرد البوح بما فى نفوسهم خوفاً من العقاب.
زلزلة قاعدة الثقة بين الشعب والدولة لعب فيها خطاب المعارضة اليسارية والإسلامية خلال حكم الرئيسين أنور السادات وحسنى مبارك دوراً كبيراً، ذلك أنهما دأبا، ولا يزالان، على التشكيك فى نوايا الدولة تجاه مواطنيها والتقليل من كل إنجاز تقوم به مهما كبُر، وليس أفضل من انتصار أكتوبر دليلاً على هذه الجريمة، علاوة على تضخيمهما لكل خطأ حكومى مهما صغُر، لكن البيروقراطية تبقى الجانى الأول من الغفير إلى الوزير.
وما ينبغى على الرئيس أن يضع منظومة حديثة تقوم بالتفاعل مع المواطنين بنفس الأسلوب والسرعة التى تفاعل بها هو مع مشهدى أسوان.