فى عام المرأة المصرية لم أجد ما أبدأ به مقالي عن المرأة سوى العودة إلى التاريخ المجيد لنساء مصر وتاريخهن الحافل بالنضال من أجل التنوير والمساواة وهى الحملة التى قادتها المرأة المصرية باقتدار فى مطلع القرن العشرين، ولكن مع بداية سبعينيات القرن العشرين تراجعت مكانة المرأة فى المجتمع مع استعانة الرئيس الأسبق أنور السادات بجماعات الإخوان والسلفيين فى مواجهة اليسار والناصريين، فهذه الجماعات نظرتها للمرة كلها دونية وتخلف كما ساهمت الهجرات المصرية للخليج فى تغيير منظومة القيم المصرية وتقليد المنظومة الوهابية فى السعودية ما زاد من تخلف وتراجع حقوق المرأة أمام الأصوات المحافظة التى تعالت لعودة المرأة للمنزل والابتعاد عن مجال العمل استنادا لمقولات ما أنزل الله بها من سلطان. وبنظرة سريعة لتاريخ المشاركة السياسية للمرأة فى مصر نجد أن المرأة المصرية حصلت على حق التصويت والترشيح عام ١٩٥٦ فى وقت مبكر عن غالبية دول العالم. إلا أنها حتى البرلمان السابق على الانتخابات العامة ٢٠١٠، وقبل إقرار نظام الحصة الخاصة بالمرأة، كانت تشغل ٢٪ من مقاعد البرلمان المصرى، مقارنة بنحو ١١٪ فى المغرب، ونحو ٢٣٪ فى تونس، ونحو ١٢٪ فى سوريا، ونحو ٤٥٪ فى جنوب إفريقيا، بينما وصلت ٦٢ سيدة للبرلمان فى برلمان ٢٠١٠، لتظل المرأة المصرية تناضل وتكافح للحصول على حقوقها ومساواتها بالرجل فى المشاركة السياسية والحياة النيابية والمناصب القيادية إذ إنه حتى الآن لم تتول منصب المحافظ فى مصر سوى امرأة واحدة لأول مرة فى تاريخ البلد الحديث، بعد تعيين نادية عبده أول محافظة للبحيرة فى التعديل الوزارى الثانى فى حكومة المهندس شريف إسماعيل ما يجعل هذه الظروف غير مواتية لتشجيع المرأة لتولى المناصب القيادية باعتبار أن نصف عدد سكان مصر من النساء منهن ملايين السيدات يعلن أسرهن ويقمن بدور كبير فى حماية الأسرة من التشرد والتفكك بعد رحيل عائلها. ومصر كانت تتفوق على البلدان العربية والآسيوية وبلدان أوربية فى القرن التاسع عشر فى مجال التعليم وخاصة أن تعليم الفتيات بدأ فى مصر قبل نحو مائة وثمانية وسبعين عاما من الزمن بإنشاء أول مدرسة حكومية «مدرسة المولدات» عام ١٨٣٢ لتخريج نساء لديهن القدرة على تقديم الخدمات الطبية للنساء. وتلتها بعد فترة طويلة مدرسة حكومية أخرى هى مدرسة السيوفية للبنات التى تم إنشاؤها عام ١٨٧٣ بمساعدة مالية حاسمة من زوجة الخديو إسماعيل. وتغير اسم المدرسة بعد ذلك إلى المدرسة السنية للبنات وهى أشهر مدارس البنات فى تاريخ مصر التعليمى، وكانت تمنح شهادة إتمام التعليم الابتدائى، وشهادة المعلمات. وقد جاءت نشأة تلك المدرسة بعد وقت قصير من صدور كتاب «المرشد الأمين فى تعليم البنات والبنين» لأحد أعظم رواد التنوير فى مصر«رفاعة رافع الطهطاوى».
وضمن قافلة رواد التعليم والثقافة فى مصر تأتى عائشة التيمورية ويرجع أصلها إلى الشعب الكردى، لكنها بالميلاد وتجربة الحياة والانتماء الحضارى كانت مصرية. أما نبوية موسى «١٨٨٦-١٩٥١» فقد كانت مقاتلة جبارة من أجل حق البنات فى التعليم والمساواة مع الرجال فى المنزلة والأجر. هناك قائمة طويلة من رائدات التعليم والثقافة والتنوير ومشاركة المرأة ومساواتها بالرجال تضم ملك حفنى ناصف الشهيرة بـ «باحثة البادية» كما تضم قافلة الرائدات كلا من هدى شعراوى وسيزا نبراوى والمفكرة والروائية الرائعة الدكتورة لطيفة الزيات، والدكتورة سهير القلماوى التى كانت أول من حصلت على درجة الدكتوراه فى الآداب من الجامعة المصرية. وفاطمة اليوسف الشهيرة بـ «روزا اليوسف» والمفكرة الإسلامية عائشة عبد الرحمن الشهيرة بـ «بنت الشاطئ» وإستر فهمى ويصا المناضلة من أجل استقلال مصر ورعاية الفقيرات والمساواة بين المرأة والرجل. والأديبة الفلسطينية المولد مى زيادة التى كانت واحدة من رموز الثقافة والتنوير فى مصر فى النصف الأول من القرن العشرين. والصحفية الكبيرة أمينة السعيد، وغيرهن كثيرات فى شتى المجالات.
وإضافة لكل هؤلاء كانت هناك قافلة من الرائدات فى تعلم الفنون واقتحام مجال العمل فيها واحترافها والتحول إلى رموز للفن كل فى مجالها، ففى مجال الغناء برزت سيدة الغناء العربى أم كلثوم وأسمهان ومنيرة المهدية وفتحية أحمد ولورد كاش وليلى مراد ومن بعدهن صباح وفايزة أحمد ونجاة الصغيرة والمطربة الأسطورة فيروز الفلسطينية المولد واللبنانية التجربة منذ خرجت من فلسطين إلى لبنان مع أسرتها كلاجئة تحت وطأة إجرام العصابات الصهيونية. ورائدة الغناء الشعبى خضرة محمد خضر. وفى المسرح والسينما برزت فاطمة رشدى وأمينة رزق وفردوس محمد وراقية إبراهيم وسميحة أيوب ومديحة يسرى وسناء جميل وتحية كاريوكا وزينات صدقى ووداد حمدى، وقافلة الجيل الذهبى فى الخمسينيات والستينيات شادية وهند رستم ونادية لطفى ومريم فخر الدين وفاتن حمامة وماجدة ولبنى عبد العزيز والأسطورة سعاد حسنى ونضال الأشقر وحياة الفهد وغيرهن كثيرات ممن أسهمن فى تطور السينما والمسرح فى مصر والعالم العربى. ويبدو هذا الأمر غريبا فى بلد مثل مصر بالذات حيث بدأت معركة التنوير والمساواة بين المرأة والرجل وتعليم المرأة فى العصر الحديث، فى وقت مبكر حتى عن بعض الدول الأوروبية يرجع لقرابة ١٨٠ عاما. من يتأمل التاريخ النضالى العظيم للمرأة المصرية. ويتابع التقدم الذى أحرزته، والمشاركة الاجتماعية والسياسية والعلمية والعملية عبر قرنين من النضال التنويرى الجليل، يشعر بالأسى على الوضع الذى وصلت إليه النظرة الاجتماعية للمرأة. ومن المؤكد أن المشاركة الهائلة للمرأة فى ثورة ٢٥ يناير العظيمة وموجتها الثانية الهائلة فى ٣٠ يونيو، وفى كل المناسبات السياسية، سوف تفتح بوابات مستقبل جديد للتنوير والمساواة النوعية بالاستناد إلى الدستور الجديد المتميز فى هذا الشأن. وكانت المرأة المصرية، لها الدور الفعال فى الثورات التى شهدتها مصر على مر السنين، فخرجت المرأة المصرية جنبا إلى جنب مع الرجل فى ثورة ١٩١٩م، التى كانت الشرارة الحقيقية للمرأة المصرية والتى بدأت من بعد ذلك مشاركتها فى جميع القضايا السياسية، تأخذ أشكالا عديدة وتصاعدت دعوة المرأة المصرية، للمطالبة بحقوقها السياسية، بعد أن صدر دستور ١٩٢٣م دون أن يُعطيها حقوقها السياسية، ونجحت المرأة المصرية فى تأسيس أول حزب سياسى للمرأة تحت اسم الحزب «النسائى المصري» عام ١٩٤٢م، وطالب «الاتحاد النسائى المصري» فى عام ١٩٤٧م بضرورة تعديل قانون الانتخاب بإشراك النساء مع الرجال فى حق التصويت وضرورة أن يكون للمرأة جميع الحقوق السياسية وعضوية المجالس المحلية والنيابية. ثم اندلعت بعد ذلك ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢م، لترسخ مفهوم مشاركة المرأة أكثر فأكثر فى جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فبعد قيام ثورة يوليو ١٩٥٢م نص دستور ١٩٥٦م على منح المرأة حقوقها السياسية الكاملة وجاءت ثورة يناير ٢٠١١م لتعكس صورة المرأة المصرية الثائرة، التى وقفت جنبا إلى جنب مع الرجل فى ساحة ميدان التحرير- معقل الثورة المصرية، لتغير المقولة الشهيرة «وراء كل رجل عظيم امرأة»، لتصبح «بجوار كل رجل عظيم امرأة»، على اعتبار أن دور المرأة فى أيام الثورة كان موازيا لدور الرجل. ويذكر التاريخ أن المرأة فى مصر الفرعونية كانت تتمتع بحقوق وتحظى بمكانة قد لا تتمتع بها كثير من النساء فى البلدان الأوروبية اليوم، ويجمع علماء المصريات، على أن الفراعنة كرموا المرأة ومنحوها حقوقا تفوق ما تطالب به المرأة المعاصرة فى العالم أجمع قبل آلاف السنين.
لذ يجب ان تنال المرأة المصرية اليوم ما نالته المرأة فى مصر الفرعونية من مكتسبات قبل آلاف السنين، خاصة وأن كثيرا من تلك المكتسبات التى نالتها المرأة المصرية المعاصرة بعد عقود من النضال قد تراجعت بفعل سطوة أفكار رجعية ظلت «تنخر» فى بنيان المكتسبات التى عانين كثيرا لنيلها، وذلك بفعل سيطرة أصحاب الفكر المتشدد والمتطرف على المشهد منذ انطلاق «ثورة يناير» وطوال أكثر من ٣ سنوات.
وفى النهاية فإنه بات من الواجب على المجتمع والدولة أن يخوضا حربا بلا هوادة لسحقها لإعلاء قيم التنوير والمساواة النوعية لبناء مستقبل يليق بقيمة وقامة وحضارة وتاريخ مصر.