في الوقت الذي تقع فيه عين القارئ الكريم على سطور هذا المقال، أكاد أجزم أنه في تلك اللحظة ذاتها يتم استنساخ إنسان، في مكان ما على سطح الكرة الأرضية تُجْرَى عملية استنساخ إنسان، هذه العملية التي أتحدث عنها قد تكون على وشك الانتهاء، أو ربما انتهت ومحاطة بالسرية والكتمان!! والسؤال هو: إذا كانت هذه العملية محاطة بالسرية والكتمان، وفقًا لما ذهبت إليه أنا نفسي، فكيف تحقق لى أن أعرف عنها شيئًا؟! كيف أزعم أنها تُجْرَى أو جرت وانتهت؟! ومن أين استقيت خبر انتهائها إذا كانت قد انتهت؟! منطق العقل، وطبيعة الأشياء، والتطور الطبيعي للأمور هي جميعها التي أتاحت لي أن أتنبأ بهذه النتيجة التي توصلت إليها، وسنسعى خلال السطور التالية إلى إيضاح معنى ما ذهبنا إليه من زعم ودلالات، هذا الزعم، وكذلك تقديم ما نعتقد أنه دلائل وبراهين على صدق ما ذهبنا إليه من أن استنساخ إنسان هو أمر حادث إن عاجلًا أو آجلًا!!
ما زال التفكير الجاد في استنساخ البشر قائمًا، وقد عبر كثير من الكتَّاب عن أن مكمن الخطر هو التعجيل باستنساخ البشر عن طريق ما يمكن أن تقوم به سرًا المعامل الخاصة في الدول الغربية، ودون الحاجة إلى تمويل من الحكومات.. واقع الحال أن هناك أفرادًا أثرياء يمتلك الواحد منهم ثروة تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.. ذلك الثري الذي يمتلك وحده ثروة قد تفوق ميزانية دولة صغيرة فقيرة، ما الذي يمنعه من أن يكلف مجموعة من نوابغ العلماء المتخصصين باستنساخه.. ويخصص مكانًا ما سريًا يقيم عليه معملًا مجهزًا على أفضل ما يكون التجهيز.
ولنا أن نتساءل: ما فرص حدوث ذلك؟ وكيف يمكن تطوير وتطويع التقنية التي أدت إلى استنساخ النعجة «دوللي» لكي تنطبق علينا نحن البشر؟
إن أخلاقيات الاستنساخ تطرح العديد من التساؤلات، مثل:
– ما المقصود بالاستنساخ؟
– ماذا عن هذه التقنية البيولوجية الحيوية المستخدمة فى الاستنساخ؟
– هل يمكن استنساخ الإنسان؟ وهل من الممكن السماح بذلك؟
– ما علاقة الهندسة الوراثية باستنساخ الإنسان؟ وما هو أثر ذلك شرعًا وقانونًا واجتماعيًا؟
– هل تسمح أخلاقيات الممارسات الطبية باستنساخ إنسان؟
بدايةً نود أن نُعَّرف الاستنساخ.. ما هو الاستنساخ؟!
الاستنساخ Cloning هو تكاثر ينتج عنه كائن حى يتطابق وراثيًا مع الكائن الأصلي، أي أن الكائن الجديد يكون نسخة طبق الأصل من الكائن المنسوخ عنه، وله نفس تركيبه الوراثي وصفاته الوراثية، وهذا يحدث في الطبيعة فى الكائنات الحية الدقيقة كالبكتيريا مثلًا أو الأميبا، فيحدث التكاثر لاجنسيًا فى هذه الكائنات وحيدة الخلية بأن تنقسم الخلية الأم إلى خليتين جديدتين كل واحدة منهما كائن مستقل، خلية بكتيريا مستقلة أو خلية أميبا مستقلة، وتكون الخليتان الجديدتان نسخة مطابقة وراثيًا للخلية الأم، وفى المخلوقات الأرقى عند الثدييات – التى منها الإنسان – نجد أن التكاثر يتم عن طريق التلقيح بين خلايا الذكر وبويضات الأنثى لتكوين بويضة مخصبة، وبحكم تنوع هذه الكائنات الراقية زخرت الحياة بتعددية رائعة من الأشكال، وفى الإنسان يختلف الأشقاء والشقيقات فى أشكالهم وصفاتهم وذكائهم ومواهبهم، وتنوعت الحياة بكائناتها البديعة التى تنتج من الولادة التى تأتى بالجديد فى كل ثانية.
ومع ذلك فإن هناك نوعًا من الاستنساخ يحدث طبيعيًا فى الإنسان فى حالات نادرة، هى ما يُعْرَف بالتوائم المتطابقة، تمييزًا لها عن التوائم العادية الأكثر شيوعًا، فالتوائم المتطابقة تنشأ عن بويضة مخصبة واحدة انقسمت وانشطرت لاجنسيًا إلى بويضتين منفصلتين، ثم نمت كل بويضة لتصبح كل منهما جنينًا منفصلًا، ولما كانا قد نشأ من البويضة الواحدة نفسها فإن هذين التوأمين يحملان مجموعة الجينات نفسها بالضبط، أما التوائم العادية (غير المتطابقة) فهى أطفال ولدت للأم نفسها فى الوقت نفسه ولكن كل طفل منها هو نتاج بويضة مختلفة قد أُخْصِبت بحيوان منوى مختلف، فالتوائم غير المتطابقة تشترك فحسب في الوقت الذي احتلت فيه الرحم وشغلته، وفيما عدا ذلك فهي مجرد أشقاء أو شقيقات تتشابه مثلما يتشابه الإخوة العاديون الذين يولدون في ظروف عادية.
أما التجارب المتعلقة باستنساخ الحيوان فقد بدأت باستنساخ الضفادع من حوالى أكثر من ستين سنة باستخدام خلايا تُؤْخَذ من أبوزنيبة أو فرخ الضفدع، وهو طور مبكر من أطوار تنامي الضفدعة، وكانت هذه التجارب بمثابة المقدمات التى ما لبثت أن أدت إلى نجاح تجارب استنساخ الفئران، ثم استنساخ الحيوانات الثديية الأكبر مثل حيوانات المزرعة كالبقر والأغنام، ولكن الاستنساخ الحيواني هذا يتم باستخدام خلايا الجنين المبكر وليس خلايا حيوان بالغ، وهذا النوع من الاستنساخ أصبح الآن روتينيًا ويُسْتَخدم منذ حوالى أكثر من أربعين سنة للإكثار من حيوانات المزرعة التى لها صفات مرغوبة كمصدر للبن مثلًا، أو اللحم أو لدواء تفرزه البقرة مثلًا فى لبنها بعد معالجتها بالهندسة الوراثية.
إذا جئنا إلى «النعجة دوللي» التي كانت مدار حديث عام ١٩٩٧، فسنجد أنه قد تم استنساخها بطريقة مختلفة تمامًا، والابتكار في استنساخ «دوللي» لم يبدأ بخلايا جنين مبكر كما كان يحدث مع الحيوان سابقًا، وإنما تم استنساخ «دوللى» بدءًا من خلية أُخِذَت من نعجة بالغة عمرها ست سنوات، وهذا أمر جديد تمامًا من الناحية العلمية، وما فعله الدكتور «ويلموت» Ian Wilmut وزملاؤه – فى معهد روزلين بأدنبرة فى (اسكوتلندة) شمال بريطانيا – فى حالة «النعجة دوللى»، هو أنهم أخذوا خلية من نسيج ضرع نعجة تُسمى النعجة الواهبة، وقاموا فى المعمل بتحويل هذه الخلية البالغة التى تنتمى لنسيج معين متمايز، أى نسيج الضرع، قاموا بتحويلها إلى خلية أخذت تنقسم وكأنها خلية جنينية مبكرة وغير متمايزة، وهكذا نشأ كائن جديد هو «النعجة دوللى» التى وُلِدَت وهى صورة طبق الأصل من النعجة الواهبة، فهى نسخة منها أكثر من أن تكون ابنـة لها، فهما نسـختان متطابقان وراثيـًا وإن كان بينهما فارق فى السن.
وهكذا تم استنساخ «النعجة دوللى» من خلية جسدية وليست جنسية دون خلط الكروموسومات الأنثوية أو الذكرية، حيث تم استخراج نواة خلية من ضرع النعجة الواهبة تحتوى على العدد الكامل من الكروموسومات وتحقن فى بويضة أنثوية من سلالة أخرى، وفُرٍّغَت البويضة من نواتها، وزُرِعَت الخلية المخصبة الناتجة فى رحم نعجة ثالثة، ليُولَـد جنين يماثل فى صفاته الوراثية – فى تطابق فريد – النعجة الواهبة صاحبة النواة التى زُرِعَت فى البويضة المفرَّغة من نواتها، وتجدر الإشارة إلى أن هذه التجربة قد أُجْرِيَت على ٢٧٧ بويضة أخصبت بالطريقة نفسها، ولم يتم الحمل إلا فى ١٣ حالة فقط، ولم تستطع مواصلة الحياة بعد الولادة سوى «النعجة دوللى»، حيث توفيت الاثنتا عشرة نعجة الأخرى نتيجة عيوب خلقية.
والسؤال الآن: هل سيأتى علينا الدور بعد الأغنام؟ هل سيتم استنساخ الإنسان؟
إن نجاح تجربة استنساخ النعجة دوللى أوضح بجلاء أنه يمكن الحصول على أفراد جدد، وذلك دون الحاجة إلى الزواج الجنسى المعروف، ودون الحاجة إلى ذكر يقوم بعملية التلقيح، أى أنه بالاستنساخ لم تعد البويضة فى حاجة إلى حيوان منوى لتعطى فردًا جديدًا، ولم تعد الأنثى فى حاجة إلى ماء الذكر لكى تحمل جنينًا وتضع مولودًا، وإذا كان الأمر عند هذا الحد يعتبر تحديًا علميًا لكل المفاهيم السائدة لعملية التكاثر، فإن ما جعل الأمر موضع جدل عميق ومتشعب، هو إمكانية نقل التجربة من عالم الحيوان إلى بنى البشر، وقد لَقِيَت فكرة استنساخ البشر التى أصبح تحقيقها ممكنًا – من الناحية النظرية على الأقل – معارضة شديدة فى كل أنحاء العالم لأسباب عديدة، منها مثلًا أن طريقة التكاثر هذه تخالف النظام الإلهى الذى وضعه الله عز وجل، ومنها أيضًا المشاكل التى ستترتب على وجود تشابه تام بين مجموعة من الأفراد، وكذلك أنه إذا أُخِذَت خلية جسمية من أنثى وأُدخِلَت فى بويضة فإن الأنثى الناتجة لن يكون لها أب، وفى هذا تدمير لنفسية الإنسان ومعنوياته، كما أن نظام المواريث سيواجه عقبات غير مسبوقة.
وتوفر تقنية الاستنساخ التحكم التام فى جنس الجنين، أى أننا نستطيع – حسب رغبتنا – الحصول على ذكر أو أنثى، ذلك أنه إن كان المرغوب هو الحصول على ذكر فإنه يتم إدماج البويضة مع نواة خلية جسمية من ذكر، وإذا أُرِيدَ جنين أنثى فإنه يتم إدماج البويضة مع نواة خلية جسمية من أنثى، ويعتقد البعض أن ذلك قد يؤدي إلى خلل فظيع في التوازن الطبيعي القائم حاليًا بين أعداد الذكور والإناث.