بقلم – عباس الطرابيلى:
ظاهرتان تؤلمان كل من يملك حساً وطنياً، الأولي: هي دولة المرسيدس.. والثانية: شعب المحمول!
فهل نحن شعب يعشق المرسيدس إلي حد الهوس. حتي أننا أطلقنا عليها أسماء نجمات السينما عندنا.. فهذه عيون صفية العمري. وتلك زلمكة ليلي علوي.. فضلاً عن الخنزيرة.. ويصل عشقنا لهذه السيارة إلى أن عددها الذي يمرح في شوارعنا، يكاد يكون أكثر من عددها الذي يتحرك في شوارع ألمانيا.. الدولة التي تصنعها.. مقارنة بعدد سكان الدولتين، مصر وألمانيا..
وإذا كان السبب هو المتانة.. وهذا حقيقي لأن المصري يعشق الصناعة الألمانية رغم ارتفاع أسعارها عن غيرها الأوروبية.. فهذا ممكن. ولكنني أري أن المصري يغير من المصري، فيما يرتدي ويركب.. وأيضا فيما يأكل أم هي- يا تري- ترسبات سلوكية قديمة، تقول إن الصناعة الألمانية هي الأقوي.. وأن الصناعة الفرنسية هي الأكثر رقة.. وأن الصناعة الإيطالية تلعب علي الحبلين، أي تجمع بين مزايا الألمانية وجماليات الفرنسية، في كل شيء؟! ربما.
وجاء حين من الدهر لم تستطع المرسيدس أن تطور نفسها كما يجب.. هنا ازدهرت الصناعات اليابانية. وبالذات السيارات إلي أن استعادت المرسيدس ما ضاع منها.. ولكن اللافت للنظر أن الحكومة المصرية تعشق المرسيدس.. فهل أصبحنا فعلاً حكومة المرسيدس.. بدليل أن النسبة الأعلي مما يستخدمه الوزراء- والرئاسة أيضا- هي للمرسيدس.. حتي أن أي وزير ما أن يؤدي اليمين، يسرع ليعرف نوع المرسيدس التي سيركبها.. ربما قبل أن يتسلم أخطر ملفات الوزارة! هنا أتساءل: هل تقدم ألمانيا- وبالذات الشركة المصنعة- عدداً من السيارات علي سبيل الهدية، لا أقول الرشوة. تنفيذاً لأسلوب «اشتري اثنتين.. تحصل علي الثالثة مجاناً.. أم تفعل ذلك مثلما فعلت إحدي شركات السيارات الفرنسية عندما قدمت عدداً من سياراتها الفاخرة هدية للدولة المصرية، وبالذات لوزارة الداخلية منذ سنوات بعيدة. لكي تسمح الحكومة لها بإنشاء مصنع لتجميع هذه السيارات في مصر.. قبل أن يطمع أحدهم في الحصول علي توكيل هذه الشركة؟! وبالطبع كل ذلك علي حساب المستهلك المصري.. وقتلا لفكرة إنشاء سيارة مصرية.
<< الظاهرة الثانية هي عدد التليفونات المحمولة في أيدي المصريين، كل المصريين من أعلي الطبقات، إلي أدناها… من الأكثر غني وثراء.. إلي من لا يجد ثمن وجبته إلا بصعوبة ولذلك وجدنا في أيدي المصريين الآن 1200 مليون محمول. وناقص المولود ينزل من بطن أمه، وبدلاً من أن يبكي تعبيراً عن خروجه للحياة ربما يهتف: فين المحمول بتاعي؟!
وبالطبع عندنا من يحمل محمولين وثلاثة.. وتخيلوا تكاليف استخدام كل ذلك من حمل فظيع علي الأسرة المصرية.. من ثمن الجهاز.. إلي أعباء شحنه واشتراكاته وإغراءات الألعاب عليه.. ولذلك يحمله كل من هب ودب لا ليستخدمه في الإنتاج والعمل ولكن ليزاول عملا أصيلا في سلوكيات المصريين هو «الرغي» في الفارغ دائماً، أما في دول الإنتاج فهم يستخدمونه وهم في طريقهم من البيت إلي العمل.. وهناك إذا احتاجوا شيئا: استخدموا التليفون الأرضي!
<< فهل ما جري هو مؤامرة علي التليفون الأرضي الذي كان أعز ما تملك الأسرة، وكنا نحصل عليه بعد سنوات طويلة من الانتظار.. ولجأنا إلي الواسطة!
ويا تري كم في حياتنا تسيطر المافيا.. عندنا مافيا استيراد القمح.. والسكر والزيت والملابس واللب والتسالي.. حتي العدس وفول التدميس..
ونحن لاهون عما تفعله بنا كل هذه المافيا.. بالذمة ده كلام؟!