ما أغنانا فى الأوقات الصعبة عن إثارة الجدل، وما أحوجنا إلى العمل، والاجتماع على كلمة سواء لا تألو على شىء سوى وحدة الصف، فى ضوء الحفاظ على ثوابتنا الشرعية التى لا نقبل المساس بها، بل إن مهمتنا هى الحفاظ عليها، ونشر صحيح الأديان التى لا غنى للإنسان عنها، مؤكدين أن الفهم الصحيح الواعى للأديان هو دائمًا جزء من الحل ولا يمكن أن يكون أبدًا جزءًا من المشكلة.
فالمشاكل تتمثل في سوء الفهم، أو التوظيف النفعى للدين، والخروج به عن وظيفته التى أنزل وشرع لأجلها وهى هداية الناس وخير البشرية، فحيث تكون المصلحة فثمة شرع الله تعالى.
وفيما يتصل بما أثير حول موضوع الفتاوى فنحن جميعًا مع ضبط الفتاوى، وندرك خطورة الفتوى غير المنضبطة وأثرها فى إثارة الجدل وما قد يترتب على بعض الفتاوى الشاذة من مخاطر قد تعصف بمجتمعنا، وما هذه الجماعات الإرهابية إلا نتاج فتاوى شاذة مضللة.
وإننى لأناشد مجلس النواب الموقر سرعة إخراج قانون الفتاوى الذى توافق عليه الأزهر ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء بإجماع فى اجتماع اللجنة الدينية فى مشروع قانون أراه شديد التوازن، وضعًا للأمور فى نصابها، وليكون أى تصرف تصرفًا صحيحًا مبنيًا على أسس قانونية لا على مجرد رؤى، وأؤكد على الآتي:
- أن أمر الفتوى جلل، وشأنها خطير، وأن أصحاب النبى كان كل واحد منهم يتمنى لو أن غيره كفاه أمرها. وكان سيدنا عمر بن الخطاب إذا عرض له أمر عام من شئون الدولة جمع أهل العلم من أصحاب رسول الله ليروا فيه رأيهم، ثم يختار هو من بين هذه الآراء ما يراه محققًا للصالح العام.. وعليه فإن هناك مسائل تحتاج إلى اجتهاد جماعى مؤسسى لا إلى رؤى فردية، فإذا ما حسم الأمر ورأى فيه الحاكم رأيه فى الاختيار من بين الآراء المتعددة التى يعرضها أهل العلم، فصارت فى عصرنا الحديث قانونًا، قيل هنا:إن اختيار الحاكم يقطع الخلاف فى المختلف فيه، فتصير عليه الفتوى فى هذا القطر ويحاسب من يخرج عليها وإلا لصارت فوضى وفتنة.
- إذا كنا نبحث عن الوسطية فى كل شىء دون إفراط أو تفريط فإن الوسطية ليست كلامًا ولا ادعاء، إنما يجب أن نتبناها قولاً وعملاً وتطبيقًا ومنهج حياة، ففى الوقت الذى أكدنا وما زلنا نؤكد وسنظل نؤكد على منع غير المؤهلين وغير المتخصصين فى الخطاب الدينى من الخطابة والإفتاء على حد سواء، احترامًا للتخصص ولطبيعة الخطاب الديني، فإننا نرى فى الوقت نفسه أن التضييق على المتخصصين يعد إقصاء يذهب إلى أقصى الطرف النقيض من المعادلة، وهو جانب الغلو والإفراط غير المقبول فى الاحتياط. وأرى أن الأمثل فى الظهور الإعلامى لجميع المتخصصين فى جميع المجالات والعلوم هو الإتاحة، ويكون الاستثناء هو المنع، على أن يكون مبررًا ومسببًا، وأن تقوم المؤسسات الدينية من خلال مراصدها وإداراتها بتشكيل لجان لمتابعة ما يبث وما ينشر إعلاميًا حول الشأن الديني، وتتخذ كل مؤسسة من الإجراءات الإدارية والقانونية تجاه أى تجاوز يصدر من أى من المنتسبين إليها فى هذا الشأن ما تراه مناسبًا أو رادعًا، كما تقوم بمخاطبة المجلس الأعلى للإعلام بخطاب يمنع من ترى منعه، للمصلحة العامة مبررًا بأسباب المنع، حتى لا يخرج الأمر عن سياقه.
- أن نتخذ جميعًا كل الحذر، ونتعاون أقصى درجات التعاون لمنع تسلل عناصر الجماعات الإرهابية المتطرفة وفى مقدمتها جماعة الإخوان الإرهابية إلى عقول المجتمع عبر تسلل بعض عناصرها إلى وسائل الإعلام، وإذا كان تسلل بعض عناصر الجماعة إلى وسائل الإعلام على إطلاقه أمرًا خطيرًا فإن تسلل هذه العناصر إلى بعض برامج الخطاب الدينى هو الخطورة نفسها، لأن بضاعة هذه الجماعات الإرهابية هى المتاجرة بالدين، ولبس مسوح المتدينين، ومخادعة المجتمع بتسويق أنفسهم أنهم حماة الدين والفضيلة، وهو ما يجب أن نحذر منه، وأن لا نكون سلبيين تجاه تسرب بعض عناصر الجماعة المتطرفة إلى وسائل الإعلام عبر منصات الإفتاء أو تجديد الخطاب الدينى.