من المؤكد أن مجزرة مسجد الروضة ليست خبراً يطويه الزمن بسرعة.. فالمجزرة سوف تعيش فى الذاكرة سنوات وسنوات.. فلا إزالة آثار العدوان سوف تُنهى الكابوس، ولا الصبر ينفع فى مثل هذه الحوادث الكبرى.. لا الدولة سوف تنسى، ولا قبائل سيناء، خاصة القبيلة المستهدفة بالمجزرة.. هناك قصص ستعيش فى الوجدان.. هناك مشهد لن يفارق الذين نجوا من المذبحة.. حتى وإن «أخذوا بالثأر»!
هناك فى كل بيت قصة إنسانية مروعة، سوف تحكيها النساء للأطفال.. فقد ذهب نصف رجال القرية، وذهب أطفال مدرسة الروضة.. «المدرسة ماتت يا منير».. هذه قصة مؤثرة جداً، تدمى القلوب وتذهب بالعقول.. تحكيها الزميلة نورهان مصطفى.. فقد سأل الأستاذ منير «المعار للسعودية» عن أقاربه وتلاميذه فى المدرسة، فقالت زوجته: المدرسة ماتت كلها.. وانفجر الرجل فى البكاء وأنهى الاتصال!
فلم يكن «منير» يسأل عن أهل بيته، فكل الذين ماتوا أهل بيته.. صحيح أنه من قرية مجاورة تبعد عن الروضة عشرة كيلومترات، لكن كل هؤلاء من قبيلته.. كل هؤلاء من عشيرته.. كل هؤلاء من أصدقائه وتلاميذه.. هذه هى المأساة.. كان الخبر على الهواء مباشرة.. الجثث متراصة فى المسجد.. سيارات الإسعاف تحمل المصابين.. هناك صورة لسيدة يعرفها جيداً.. لا تبكى أبداً.. وكانت فى حالة ذهول!
وكلنا تقريباً نشبه «حالة منير».. لا نملك أن نذهب إلى بئر العبد.. تسمرنا أمام الفضائيات.. نتابع.. الفرق بيننا وبينه أننا لا نعرف الأسماء ولا الأشخاص.. لكن نعرف أن المصاب جلل.. فى الأرياف لو وقعت حادثة تصادم وراح ضحيتها اثنان أو ثلاثة تنقلب القرية إلى سرادق عزاء.. يكون فى كل بيت مأتم.. مؤكد أنه قريب هذا ونسيب هذا.. فما بالكم بما جرى فى المجزرة؟.. كل هؤلاء من قرية الروضة!
فالأم التى لا تبكى أعرف أنها لن تبكى الآن.. وأعلم أن المذبحة أكبر من البكاء.. وأعلم أنها تنتظر الثأر.. تنتظر أن يتحرك الرجال ليبرد قلبها ويرد لها عقلها ووعيها.. هناك نساء رأين الزوج والأولاد جثة هامدة.. أصبحت وحيدة.. لا يضيرها أن تلحق بهم.. لا يضيرها أن تتحول إلى قنبلة تمشى على قدمين.. لن تهدأ قبل أن تأخذ ثأرها.. ولذلك كانت القبائل على قدر الحدث.. قالت: «لا عزاء قبل الثأر»!
هناك بيوت فقدت الجد والأب والحفيد.. وهناك 27 طفلاً بين الضحايا.. تبين أنهم قوام مدرسة الروضة.. هؤلاء ماتوا.. كما يحكى منير على لسان زوجته.. كل رجل مات هو أب أو عم أو خال.. كل الشهداء يرتبطون بعلاقات نسب ورحم وقرابة.. المأساة فوق الاحتمال.. إن نسينا فهم لن ينسوا.. وإن شغلتنا الأيام فهم لن ينشغلوا.. الحزن فى القلب.. والمأساة فى نفس الغرفة، وتنام فى نفس السرير!
صحيح أن الدولة أعلنت «الحداد ثلاثة أيام»، لكن هذا العام سيبقى عام الحزن.. فقدنا فيه مئات الشهداء وسقط فيه مئات المصابين.. قرية كاملة تفقد نصف رجالها وتغلق المدرسة.. فهل انتبه وزير التعليم لهذه المأساة؟.. وهل يعرف أن أطفال مدرسة الروضة ماتوا؟.. هل يعلن أنه عام الحزن فى الوزارة؟!