اليوم ـ 21 مارس ـ هو عيدك يا أمي! اعتدت فى طفولتى وصباى أن أشترى لك هدية. كانت الهدية بسيطة بمقدار ما كانت قروشى قليلة، وظلت كذلك طالما كان مصدرها «مصروفي» الذى كنت أحصل عليه من أبى رحمه الله.
كانت الهدية رمزية بكل معنى الكلمة، ولكنى كنت أصر عليها كى أحظى بابتسامتك الصافية الصامتة التى لا أنساها. وعندما سافرت للخارج لأول مرة، كانت هديتك أول ما اشتريته.
وعندما بدأت أحصل على دخل من عملي، منذ ما يقرب من نصف قرن، أصبح بإمكانى أن أشترى لك هدية بالفعل، صحيح أنها لم تكن فاخرة أو غالية كثيرا، ولكنها كانت غالبا شيئا مفيدا! وازدادت قيمة هديتى مع كل زيادة فى دخلي، ومع كل سفر للخارج! وعندما تزوجت، لم تكونى أبدا «حماة» ولكنك كنت – بكل معنى الكلمة- أما ثانية لزوجتي، التى أصبحت تحرص كل عام على أن تهدى لك هدية تعبر بها بصدق عن حبها وامتنانها لك! ثم مرت السنون، وشاركنى أولادى ـ أحفادك- فى الاحتفاء بك، والاحتفال بعيدك كل عام أيضا، وعرفوا من خلالك روعة حب الجدة لأحفادها! والآن أنت يا أمى فى رحاب الله… وجاوزت أنا السبعين من عمري! وأحب اليوم أن أقدم لك هدية سوف تسعدين بها فى عليائك! إننى يا أمى لم أحد أو أنحرف أبدا عن القيم والمبادئ العظيمة التى غرستموها- أبى وأنت- فى نفوسنا نحن جميعا، بناتك وأبناؤك.
أستطيع اليوم أن أتذكرك يا أمى، وأن أنظر إلى صورتك، بلا تردد، وبلا خجل، وبعيون مفتوحة، واثقة ومطمئنة. هديتى لك يا أمى هى أن أطمئنك بأن ما أودعتيه فى نفوسنا- أنت وأبي- لم يذهب أبدا سدي، ولكنه راسخ فى عقولنا، ثابت فى قلوبنا، مستقر فى ضمائرنا. كل عام وذكراك العاطرة، الرائعة،النبيلة معنا بكل خير!