عشيّة ذكرى ثورة يوليو، لا يسعنا إلا أن نجدّد الدعوة لاتّباع منهجها الفكري، والسياسي، والاقتصادي والاجتماعي، والتربوي، والإصلاحي. نجدّد الدعوة ليس وفاء فحسب، لقائدها الخالد جمال عبد الناصر، وهو الذي كان وفيًّا الى أبعد الحدود لقضايا الأمة، فاستُشهد من أجل وقف شلّال الدم بين أبنائها من فلسطينيّين وأردنيّين.
نجدّد الدعوة، ليس لأننا صنميّين، لا نقرأ المتغيّرات ولا التحولّات، وليس لأننا ماضويّين لا نُتقن فن الإبداع والابتكار. بل نجدد الدعوة لأنه تم تجريب كل الأفكار المناقضة لمبادئ ثورة يوليو، فكانت النتيجة ما تشهده أقطار الأمّة من تمزّق، واحتراب، واقتتال، وتبعيّة، وتجويع للشعوب، وهدر للثروات.
نجدّد الدعوة، لأنه تم تجريب السياسات المعاكسة للسياسة التي اتبعها جمال عبد الناصر، إذ بدل «عدم الانحياز والحياد الإيجابي»، اتبعت سياسة أن 99 % من أوراق اللعبة بيد أميركا، وبدل سياسة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة مع العدو الصهيوني»، اتبعت سياسة التطبيع والمهادنة، وبدل سياسة «ارفع رأسك ياأخي» اتبعت سياسة اتفاقيات الذل والاستسلام، فماذا كانت النتيجة؟. ماذا قدّمت لنا الإدارات الأميركيّة المتعاقبة؟ عن ماذا تراجع العدو الصهيوني، رغم كل التنازلات العربيّة؟. هل حصدنا تنمية؟ وبعض بلداننا يملك أكبر ثروات الأرض!. هل حصدنا كرامة لملوكنا ورؤسائنا وقاداتنا وشعوبنا؟ ونحن نملك جيوشا وامكانيات وقدرات بشرية هائلة!.
لماذا تحرّرنا من الاستعمار المباشر في الخمسينيّات والستينيّات، وعُدنا الى أحضان المستعمر طوعًا، بعد خمسين عاما من رحيل القائد جمال عبد الناصر؟. لماذا غابت عن أفكارنا في زمن عبد الناصر، العصبيّات الطائفيّة، والمذهبيّة، والإثنيّة، والعرقيّة، والمناطقيّة، وتعود اليوم تعشش في الرؤوس، الكبيرة قبل الصغيرة، ونصبح أسرى الأحقاد المرفوضة دينًا وقيمًا وانسانيّة؟.
لماذا، ولماذا، ولماذا؟…..
أسئلة لا تُحصى نتداولها سرّا وعلانيّة، فلا نجد لها أجوبة، غير أن من بيدهم القرار، ذهبوا بعيدا في طريق مصالح ذاتيّة، أو أوهام سلطويّة، أو إفلاس فكري، أو ارتهان سياسي.
نعم كل ذلك وربما أكثر، فالجغرافيا لم تتغيّر، لقد كنا على مشارف قارات ثلاث، وعلى أبواب أبحار ومحيطات ومضائق، وما زلنا. والثروات لم تنضب، بل ربما تضاعفت مرات ومرات، والشعب لم يتغيّر فمن طبعه، أنه يطلب الموت ليستحق شرف الحياة، إذ على الرغم من كل ما حصل لم يتوقف شلال المقاومين في فلسطين أو لبنان أو العراق، أو أي بقعة عربية. والشواهد أكثر من أن تُحصى، من دحرٍ للعدو الصهيوني في لبنان عامي 2000 و2006، ومن افشالٍ للعدوان مرارًا على غزة هاشم، ومن تحطيمٍ للمشروع الأميركي في إقامة «شرق أوسط جديد»، وهناك شواهد أخرى كثيرة وعديدة في هذا المجال.
إذًا، ماذا علينا أن نفعل؟، وهذه سوريا تكاد تختم عشرًا من محنتها ومن صراعات المشاريع فوق أرضها، وهذه مصر تواجه العدوان الصهيوني في سيناء، والعدوان التركي الأطلسي في ليبيا، والعدوان الصهيوني الحبشي الصهيوني في إثيوبيا، والتقسيم الصهيوني في السودان.
وهذه اليمن تُستنزف بشرًا وحجرًا. وهذا لبنان يتعرض لأبشع حصار تجويعي، بعد أن تركوا لطبقته المتحكمة كل السبل لنهب ثروة الوطن والمواطن. وهذه الأردن، تواجه كما يواجه لبنان حرباً اقتصادية ضروساً، أما الخليج فتُسنتزف ثروته، وتتعمق خلافاته، مراهنة بين سيء وأسوأ.
إن كان هذا حالنا، فمن أين نبدأ؟ حتى يعود للشباب العربي ثقته بنفسه، فينكب على بناء مستقبله بكل ثقة وإقدام وتضحية. إنه المشروع العربي، الذي افتقدناه طويلا، فلا بد أن نعود إليه لنحييه، ليس نسخة طبق الأصل، فالزمان تغيّر، وللظروف أحكامها، لكن هناك ثوابت لا تتغير ولا تتبدل. ثابتة إن المستعمر لن يرضى عنك وإن كنت عبدًا له، وثابتة إن المحتل الصهيوني لن يتخلّى عن احتلاله طوعًا، إنما «ما أخذ بالقوّة لايُسترد بغير القوّة»، وأن «حريّة الوطن وحريّة المواطن متلازمتان حكمًا»، وأن من يستهتر بلقمة عيش المواطن وكرامته،إنما يُبدّد حرية الوطن وسيادته واستقلاله، ومن يُراهن على حليف في وجه أخيه العربي، إنما يسعى إلى إدخال الدُب إلى كرْمه.
لنعد إلى ثوابت ثورة 23 يوليو، ولنحيي ذكرى قائدها عملاً وحدوياً وتوحيدياً، ونهجاً تضامنيًا تكامليًا، فنبدأ مسيرة الألف ميل، وحينها سنجد مليون مليون زند يحمل البندقيّة لضمان الأمن القومي، ومليون مليون مزارع يحرث الأرض، ويبني المصانع ، لضمان الأمن الإجتماعي، ومليون مليون مبدع ومفكر، لإبداع التكنولوجيا لضمان الأمن المعرفي والتقدم العلمي.
في ذكرى ثورة يوليو، تحيّة إجلال وإكبار إلى القائد الخالد جمال عبد الناصر، وإلى كل مقاوم عربي ضد الصهيونيّة، والاستعمار، والاحتلال، والتقسيم، والفرز الطائفي والمذهبي. وما النصر إلا من عند الله، ولا غالب إلا الله.
أمين سر لجنة إحياء مئوية جمال عبد الناصر
عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية