نواصل الحديث عن الدكتور عاطف العراقى، ونخصص هذة الحلقة الأخيرة للإنسانيات التى لا تحصى فى حياته.
يحكى أحد طلابه أنه كان يحتفى بطلبة الماجستير والدكتوارة، خاصة الذين يردون من القرى والنجوع الفقيرة، جبراً لخاطرهم وخاطر ذويهم، وفى مناقشة إحدى الرسائل العلمية لشاب فقير صمم «العراقى» على استضافة الباحث وجميع من جاء معه على الغذاء فى أفخم مطاعم القاهرة.
يقول عنه الشاعر نادر ناشد: في عام 1995 صدر ديواني الخامس بعنوان «هذه الروح لي»، وقدمت نسخه منه إلى أستاذي المفكر الكبير الدكتور عاطف العراقي وكنت قد تشرفت بالتعرف عليه أثناء لقاء تليفزيوني في برنامج ثقافي تقدمه الإعلاميه الشهيره جيلان حمزه وحينما تعرف إلى قال لى أنا في انتظار ديوانك الجديد وارفق معه دواوينك السابقه، أسعدني جدا تواضعه وسعه صدره وزادت صداقتي مع الرجل حين قدمت له الديوان الجديد ومعه الدواوين السابقه وتصفح صفحات ديوان «هذه الروح لي» وكنت أمامه كطالب يجلس منتظرا نتيجه امتحان ولكن أسعدتني ابتسامته وهزة رأسه التي توحي بالإعجاب ثم قطع ترقبي وقال على فكرة أنا استمعت إلى برنامج مع الأدباء الشبان للإعلاميه اللامعه هدي العجيمي عن هذا الديوان خاصه أن التي ناقشته الكاتبه الكبيره فريده النقاش وأشادت بقصائدك حقا أنت موهوب ومميز ومهموم بمفردات تراثنا العربي ومحاولات تطويره .
لم أكن أتخيل أن استمع إلى هذا الاحتفاء الذي لا أتوقعه من مفكر مصري عربي عريق تعلمت من كتبه برغم صعوبتها و أكاديميتها المعقده، كتبه تدخلني في سحر خاص وفي ترقب عوالم مختلفه .
أتذكر لقاء آخر مع الدكتور العراقي كنت أحاوره حول الأدب الصوفي والتقارب بينه وبين فكر وتراث رهبان المسيحيه وفوجئت به يحدثني عن صداقته بالأب «متي» المسكين رئيس دير الأنبا مقار وقتها، حدثني طويلا عنه وعن فلسفته الخاصه وتكلم عن كتبه الكثيره وتمنيت أن أرافقه في زيارته الرهبان الدير والأنبا متي المسكين .
رحم الله الأستاذ الكبير والإنسان الرائع والمفكر العالمى الدكتور عاطف العراقي وقد ترك لنا مكتبه أدبية فلسفية راقية تخلدة إلي الأبد.
ويقول عنه الدكتور إبراهيم عبد المعطى الكاتب الصحفى والباحث اللغوى: كان الدكتور عاطف العراقى يتمتع بالتواضع والطيبة الشديدة, وكان العلم همه الأول ولذك كان يسمى شقته «المحراب» حيث تضم آلاف الكتب التى يلجأ إليها فى إنجاز مؤلفاته التى لم تتوقف حتى رحيله عن حياتنا.
أذكر أنه لم يكن فارق السن مع من هم أصغر منه، فقد كان يتعامل معهم بأخوية وليس بطريقة الشخصية المشهورة، فلم يكن بينه وبين من يعرفه حاجز، كان حريصا على مشاركة أصدقائه فى جميع المناسبات، فقد كان يبعث إِلَيَّ ببرقيات التهنئة فى الأعياد، كما أرسل لى برقية عزيزة على نفسي عندما حصلت على درجة الماجستير فى علم اللغة من جامعة القاهرة عام 2002 ، كما كان يتواصل للإطمئنان على صحتى في الفترات التي أمر فيها بظروف مرضية شديدة.
ويضيف د.«عبد المعطى» ولا يغيب عن بالى المرة الأولي التي قابلته فيها وكان في مؤتمر علمي، وعقب انتهاء إحدى الجلسات اختلف مع أحد الشباب واحتد عليه، لكنني رأيته يتعامل مع الموقف بهدوء العالم الجليل، وتحاور مع الشاب حوارا علميا راقيا، مراعيا أن اندفاع الشاب نتيجة للحماس فى هذة المرحلة العمرية.
وحكى لي بعض تلاميذ «العراقى» أن علاقته معهم كانت علاقة أب بأبنائه، وكأنهم يشكلون أسرة واحدة، ولم تكن لديه مشكلة فى أن يختلف معه أحد من تلاميذه فى الرأي لأنه كان يؤمن بتعدد الآراء، وأن الأستاذ الحقيقى لا يجعل تلاميذه نسخة منه وإنما يكون لكل واحد منهم شخصية مستقلة، وكان يؤمن بأنه لا توجد فلسفة عربية إسلامية وإنما فلسفة عربية فقط، ورغم ذلك تتلمذ على يديه باحثون حصلوا على الماجستير والدكتوارة تخصصوا فى إتجاه تبنى فكرة «الفلسفة الإسلامية» وهذا يدل على أنه عالم حقيقى يؤمن بما قال به الشافعى رضى الله عنه «رأيى صواب يحتمل الخطأ.. ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب».
توفي «العراقي» أثناء إلقائه لمحاضرة بالمعهد العالي للدراسات الإسلامية بالزمالك، و كان بحالة جيدة وألقي علي طلابه محاضرة الصباح، حيث يعمل أستاذ منتدبا منذ سنوات طويلة إلا أنه سقط علي الأرض أثناء إلقاء المحاضرة وتوفي هناك، وقامت جامعة القاهرة بإرسال سيارة إسعاف لنقله إلي مستشفى قصر العيني, ولكن القدر كان أسبق، ليسقط شهيدا فى محراب العلم الذى وهب نفسه إليه.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية