بقلم – لينين الرملي
العمل استلهمته عن قصة للكاتب الإنجليزى جون فاولز صاغها فى «فيلم سينمائى» منذ سنوات طويلة، لكنى صنعت منها مسرحية كوميدية من فصلين، ومع ذلك كانت مليئة بالضحكات علاوة على الإثارة التى تشد المتفرج، ولكنى شعرت على الفور برغبة شديدة فى إعادة كتابتها مرة أخرى، كنت قد قررت ألا أعيد أى أعمال أجنبية بعد مسرحية «تشارلى» التى أعدت أنا كتابتها باسم «الحادثة»، وتذكرت أن وليم شكسبير أعاد أغلب مسرحياته من كتاب سبقوه، لكن بالرغم من ذلك فالناس لا تذكر إلا ما كتبه شكسبير حتى الآن.
أما فيلم «شارلى» فقد جعلنى أستفز بشدة، فالبطل مجرد شخص سيكوباتى مهووس ومجرم معا لا هم له إلا أن يخطف فتاة من وقت لآخر ويحبسها فى مكان مهجور حتى تذعن له ويطلب منها فقط أن تحبه! ويتلذذ بهذا فإذا تم له ما أراد يقتلها سواء أخذ منها ما أراد أم لا، ثم ينطلق ليصطاد غيرها ولذلك جعله الفيلم يجمع الفراشات المقتولة ويحتفظ بها ليسعى خلف غيرها.
ولم أهتم منذ البداية إذا أشار ناقد بأن القصة مقتبسة فهى عندى قصة أخرى تماما، وأجزم أن القليل فى أوروبا وأمريكا هم من يفعلون ذلك، بينما أنا وجدت فيها الكثير ممن يفعلون ذلك فى بلاد الأمة العربية أو يتمنون ذلك لكنهم لا يستطيعون، أنظر إلى الكثير من حكامنا لتجدو عدد الذين يتشوقون لعمل ذلك فى بلادنا العربية وبعضهم يحاول ويفشل وبعضهم يحلم فقط ولا يفعل شيئا وكثير منهم يحكم عليها بالإعدام أو السجن مدى الحياة، وما زال الأمر عندنا هكذا حتى الآن فى ربوع الأمة العربية.
رغم هذا لم أستطع مقاومة إلحاح هذه القصة، وجدت نفسى مدفوعا إلي محاولة تقديمها للناس ذلك أننى منذ اللحظة الأولى قرأتها قراءة مختلفة تماما فالقصة تكاد تكون شرقية لحما ودما ويبدو حدوثها فى الغرب كحدث استثنائى عارض أما فى منطقتنا فهى ليست واقعة بقدر ما هى واقع يومى متكرر، الجريمة هنا تقع دون أن تسمى باسمها ويوافق عليها المجتمع أقصد جريمة طلب الحب عن طريق الإكراه والتسلط فهى ماثلة فى علاقة الرجل بالمرأة أو بالأطفال القصر وتقع داخل إطار الزواج أيضا بالإكراه بواسطة الأب وربما بالأم أو تسلط الإخوة وتقع بالتحرش من شخص أو أكثر وبالمناسبة تقع بشكل آخر مع المسيحيين وغيرهم وصولا إلى حبس الأطفال دون السن.
كما أن نفس هذه العلاقات تبدو شبيهة بعلاقة أى حاكم متسلط على شعبه ويصبح رهينة هذا الحاكم ومن يساعدونه، وهو يحدث فى أغلب الحكام من حولنا ومنذ وقت بعيد وما زال، وهذه القراءة الأخيرة هي التى جعلتنى أعيد صياغة القصة وأضفت عليها شخصية عبودة الثرى الذى يريدها دون زواج مقابل أن يعطيها بعض المال وآخر فقير
لكنه يريد أن يوجهها إلى ما يريد، وأدخلت الأجنبى الذى عرف مكانه وكان يريد أن يأخذ تمثالا من عنده وأصبح شاهدا عليه أو يطلب منه أن يعطيه تمثالا أثريا عنده فيذعن له مرغما حتى لا يبلغ عنه ولا يمكن أن يتخلص منه خشية أن يبحث عنه أهله من الأجانب.
ومن ناحية فنية فإن المسرحية بحكم أنها تكاد تقتصر على شخصين فى أغلب الوقت كانت تمثل أمامى تحديا دراميا مثيرا وامتحانا صعبا ولكني أدخلت الرجلين اللذين كانا يطمعان فيها فأخذهما لها مقيدين وبعدها يتولى أن يتخلص منهما معا.
وعبثا حاولت أن تقنعه بأن يتركها ليتعارفا فى جو عادى وطبيعى، وبعد أن تتعب البطلة تقع فى شبه غيبوبة فيجرى بطلها ليأتى لها بطبيب ينقذها حتى لو اضطر أن يتخلص من الطبيب هو الآخر فيما بعد، أما هى فتجد أنه نسى مفتاح سجنها فى الباب فتقرر أن تهرب لكنها تتردد فى الخروج مرات وقد ذاقت أفعاله وعندما تأخذ القرار وتخفى المفتاح فى صدرها وتهم أن تجرى لتهرب بالفعل يكون هو قد عاد مسرعا وقد انتبه إلى أنه نسى المفتاح فى الباب فيطلبه منها، ولكنها تدعى أنه ليس معها ويحاول أن يقنعها أنه سيتركها لحال سبيلها، ولكنها لا تصدقه بل وتخرج المفتاح بينما تلقى نفسها فجأة من خلف قضبان النافذة الحديدية فيكاد يجن بينما هى تشعر بحريتها لأول مرة فيبكى هو وتغنى هى لأول مرة فقد حصلت على حريتها فى النهاية وتمكنت أن تتخلص منه حتى لو على حساب حياتها.
كنت، ولا أزال أثق فى جمهورنا من كل الفئات والطبقات بلا استثناء.. إلى هذا الجمهور العظيم أهدى هذه المحاولة.