فقدان الأحبة كأس شديد المرارة يتجرعه الجميع غصباً وبدون استئذان، تأثيره متفاوت وفقا للقرابة و الصداقة والزمالة وغيرها..
لكن تأثيره النفسي يكون شديد جداً تبعاً لقوة الإرتباط النفسي بين الفاقد والمفقود الآخر الذي يختلف معه تأثير الحزن ومدته وتبعاته السلبية التي تصل إلى الاكتئاب وفقدان الرغبة في الحياة .
وحياة المرء مليئة بهذه المحطات المشبعة بالدموع والآهات والذكريات الحزينة التي تهاجم مضاجعنا وتحرم جفوننا من الإرتخاء وأعيننا من النوم .
ووراء كل حالة فقد حكاية يطول شرحها فهي باتت مرتبطة بمواقف وذكريات وأقوال وأفعال وآخر حالات الفقد كانت خاصة بالزميل عماد يونس المبتسم الضاحك حياً وميتاً، والذي أكد كل من ألقى عليه نظرة الوداع أنه فارق الدنيا الفانية إلى دار البقاء بنفس الإبتسامة متبوِّئًا مقعده من الجنة، فهو صاحب العديد من المآثر والمواقف الصديق والأخ غفيف اللسان صاحب القلب الطيب الذي امتلئت صفحات السوشيال ميديا منذ وفاته بمآثره ولوعة الفقد في غيابه .
كل من عاصره تأثر به فقد كان رحمة الله ذو شخصية نافذة سوء في مجال العلاقات الإنسانية أو العمل، حيث تدرب على يديه أجيال من الشباب الواعد، غير بخيل عليهم بما يملك من مواهب وقدرات خصوصًا في المجال الرياضي، الذي تبوأ فيه مكانة متقدمة بصدقه وقوة كلمته، فبات من أفضل النقاد الرياضيين الذين يمتلكون ناصية الكلمة وقوتها وحجيتها.
ورغم أن زمالتنا وصداقتنا امتدت لسنوات طويلة بحلوها ومرها، إلا أنه وفقًا للقاعدة «إذا أردت أن تعرف إنسانًا جيدًا، فإن أفضل الطرق إذا رافقته في سفرٍ ويا حبذا إذا امتد أكثر من يوم».
وقد سنحت لي الظروف أن رافقته في رحلة طويلة امتدت لأكثر من شهر. ولأنها كانت في أكثر الأماكن التي تُشد لها الرحال، حيث بيت الله الحرام، فقد كانت رحلة مختلفة وذات طابعٍ خاص.
طوال رحلة الحج، التي كانت قبل عامين، ورافقنا خلالها شقيقته الدكتورة ماجدة. والمهندس محمد سعد، والزميل عز الدين بهادر وأسرته. بالإضافة إلى باقي أعضاء الفوج والبالغ عددهم أكثر من 20 حاجًا.. فقد كان «العمدة» كما كنا نُطلق عليه جميعًا مُرشدًا ومسئولًا بل كفيلًا ومتكفلًا بكل أمورنا اليومية من طعام وفندق وتنقل وأضحية ومأكل، وأتذكر أن إحدى السيدات كبيرات السن، فُقدت منا وظللنا نبحث عنها طوال الليل، وقال لي: «لن أهدأ ولن أنام قبل العثور عليها»، وكانت فرحته عندما وصلنا إليها في إحدى المخيمات الكبيرة جدًا، وقال: «الحمد لله استطيع النوم اليوم بعمق ، فأنا اعتبر نفسي مسئولًا عن الجميع».
وأتذكر يوم عُدنا من عرفات إلى مزدلفة، سيرًا على الأقدام وأنا أحمل على ظهري العديد من علب الفول والتونة، التي أوصاني بها حتى لا نجوع، وكما كان يلف على الجميع بالطعام والأدوية، لم تفارقنا ابتساماته في بيت الله الحرام، وهو يطالبني أن نقضي أغلب اليوم في العبادة تقربًا إلى الله، وكما ساعدني في تحقيق رغبتي الشديدة في الصلاة في الروضة الشريفة روضة رسول الله.
«العمدة».. تكفل بنا جميعًا من مطار القاهرة حتى عُدنا إليها سالمين، وأصر أن يحتفظ بأرقام هواتف وعناوين جميع أعضاء الفوج ليطمأن عليهم، مؤكدًا أن رفقاء بيت الله لابد أن تمتد صداقتهم ما بقي من العُمر.
غاب الجسد وبقيت الروح ترفرف علينا. نتذكره أينما حللنا وسوف ترافقنا حيث لقاء يجمعنا في جنة الخُلد. كما جمعنا في بيت الله الحرام.. فقدانك يا عُمدة قسم ظهورنا وعزاءنا أننا استودعناك الله الذي لا تضيع ودائعه.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية