أعلنت الحكومة عن طرح المسودة الأولى من «وثيقة سياسة ملكية الدولة»؛ الوثيقة حددت ثلاثة توجّهات لـملكية الدولة وتواجدها في النشاط الاقتصادي، منها التخارُج التام من عدد الأنشطة خلال ثلاثة أعوام وبالتدريج، واستمرار تواجُد الدولة مع التثبيت أو تخفيض الاستثمارات الحكومية في بعض القطاعات.
الوثيقة على هذا النحو تثير أكثر من قضية على مستوى الاقتصاد المصري، القضية الأولى: تتعلق بالدور المباشر للدولة في النشاط الاقتصادي؛ وهي قضية شائكة، تحظى بأهمية كبيرة في العالم المعاصر، وذلك لتأثيرها المباشر على طبيعة النشاط الاقتصادي للدولة في عالم الكساد الاقتصادي ما بعد الوباء، هنا نتحدث عن الفارق ما بين «الدولة الحافظة» و «الدولة الحامية»، وحفظَ الشيء، أي صانه من الداخل لذلك فالأولى دولة تتدخل وتدير النشاط الاقتصادي في كافة جوانبه، وحمَى الشَّيءَ أي دَافَعَ عَنْهُ من الخارج، بمعنى أن «الدولة الحامية» تشرف على النشاط الاقتصادي وتوجهه لكن لا تتدخل فيه.
غير أن الأزمات المالية والاقتصادية العالمية المتتالية أعادت الدولة بقوة إلى النشاط الاقتصادي. ولم يعد التساؤل عن ماهية دور الدولة هو القضية الجدلية السائدة فيما بعد الأزمة المالية العالمية. وإنما كيف تمارس الدولة دوراً اقتصادياً أكثر فاعلية وبما يحقق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة. وهو الدور الذي أصبح ضرورة خاصة في ضوء حالة الاقتصاد المصري ما بعد 2011. حيث كان تدخل الدولة ضرورياً لحماية الاقتصاد الوطني من الانهيار. فعلتها الولايات المتحدة الأمريكية من قبل في سد هوفر. حيث سعى الجيش الأمريكي لبناء السد رغم عدم الحاجة الكبيرة إليه آنذاك. كأحد المشاريع العملاقة التي ساهمت في دفع الاقتصاد الأمريكي خلال الفترة المسماة بالكساد الكبير ما بين عامي 1931 و 1936.
القضية الثانية تتصل بالاستثمار المحلي وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، الإنجليز يقولون إن «رأس المال جبان يهرب دائماً إلى حيث الاستقرار والأمان»، مصر الجمهورية الجديدة دولة تتمتع بالأمن والاستقرار التام، الأكثر من ذلك الدولة ومنذ 2014 عملت على تأهيل وإعادة تأسيس بنية تحتية كبيرة من شبكات طرق ومواصلات على الشكل الأمثل، لكن يبقى العامل الحاسم بالنسبة لرؤوس الأموال الأجنبية هو منافسة الأنشطة الاقتصادية التابعة للدولة لمثيلاتها في القطاع الخاص.
الآن وفي خضم الأزمة العالمية الحاجة ملحة لقوة دفع جديدة مع الدولة في عملية التنمية. وضخ المزيد من التدفقات والوظائف والإيرادات. لذلك العودة الفاعلة لرؤوس الأموال العربية والأجنبية بل والوطنية أيضاً. أصبحت ضرورة لا رفاهية في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الخانقة. وهو ما تظهره بوضوح تام بيانات البنك المركزي التي أشارت إلى أن صافي الاستثمار الأجنبي في مصر خلال الربع الأول من العام المالي الحالي سجل زيادة بنسبة 3.7% مقارنة بنفس الفترة من العام المالي السابق 2020-2021. حيث بلغ صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في الربع الأول من العام المالي 2021-2022 إلى مليار و664.9 مليون دولار مقابل مليار و605.1 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام المالي الماضي بزيادة 59.8 مليون دولار، وهي مؤشرات ذات دلالة هامة.
لذلك فالوثيقة من شأنها العمل على خلق مناخ شفاف أمام القطاع الخاص المحلي والأجنبي للــمُشاركة الفاعلة، وكما ذكرت وزيرة التخطيط الدكتورة هالة السعيد، ومنها أقتبس «دون مُزاحمة من جانب هيئات وشركات قطاع الأعمال العام وشركات القطاع العام، وتعزيزًا لدور الدولة الأساسي كمُنظّم للنشاط الاقتصادي وفق آليّات السوق وبما يُوفّر بيئة خصبة ومُحفّزة للاستثمار والتنمية»
إذن فالوثيقة هي خارطة طريق تنظم العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية المختلفة على نحو شفاف وواضح. يقطع دابر الشائعات والتكهنات حول تداخل الدولة ومؤسساتها المختلفة في النشاط الاقتصادي. خاصة وأن الطريق نحو التنمية الاقتصادية يتطلب تحقيق التوازن بين دور الدولة في ضبط إيقاع الأسواق من جانب. وآليات السوق الحر من جانب أخر.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويترلمتابعة أهم الأخبار المحلية