في ظل الأزمات الاقتصادية الطاحنة العاصفة بالعالم، لا تزال مصر تقدم الدعم بشكل إنساني يفوق الوصف للاجئين، بينما تتعامل الدول التي تتغنى بحقوق الإنسان بكل قسوة مع هذا الملف، على الجانبين السياسي والشعبي. في بريطانيا الآن مناقشات حادة لإصدار مشروع قانون الهجرة، غير المتوافق مع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
وفي الحقيقة أن التشريع لن ينقذ الأرواح (أو المال). مشكلة مشروع قانون الهجرة غير القانوني للحكومة أنه غير إنساني وغير عملي. حيث ستعيد جميع أولئك الذين يدخلون المملكة المتحدة عبر قوارب صغيرة أو ترسلهم إلى دولة ثالثة (روندا). يمكن تخزين عشرات الآلاف من الأشخاص في معسكرات اعتقال جماعية. وللأسف أن وزيرة الداخلية، سويلا برافرمان قالت: «إن قواعد العبودية الحديثة لن تمنع عمليات الترحيل».
إذا كان الهدف حقًا هو خفض التكاليف على دافعي الضرائب وإنقاذ الأرواح عن طريق الحد من عبور القوارب الصغيرة الخطيرة، فسيكون هناك مكانان واضحان للبدء. الأول هو معالجة البيروقراطية المتصلبة في وزارة الداخلية، حيث تسبب سوء الإدارة والموارد غير الكافية في مأزق. في جميع أنحاء أوروبا، كان لدى ألمانيا فقط تراكم أكبر في عام 2021، وتلقت أكثر من ثلاثة أضعاف عدد الطلبات. والثاني هو توسيع الطرق الآمنة والقانونية لطالبي اللجوء، بدلاً من قطعهم.
إن تصرفات الحكومة مشكوك في شرعيتها سيكون هناك «كبح» للحقوق، وللأسف مع الالتزامات بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. هناك احتمال بنسبة تزيد عن 50٪ أن تكون أحكام مشروع القانون البريطاني غير متوافقة مع الاتفاقية.
يتمتع المحافظون بسجل طويل من التعهدات الدخيلة وغير الواقعية لوقف الهجرة غير النظامية. يمكن للسيد سوناك أن يبيع نفسه لحزب المحافظين على أنه ليس مجرد تكنوقراط بل رجل «يستعيد السيطرة» ويواجه «مزاعم حقوق الإنسان الزائفة».
رغم أنه في جميع أنحاء أوروبا، استولى اليمين على الهجرة واللجوء وشيطنها. مع تصاعد استهداف طالبي اللجوء، مع مهاجمة الجماعات اليمينية المتطرفة للفنادق التي يقيمون فيها، مع ذلك فإن قواعد اللعبة الحكومية ليست قاسية فحسب، بل إنها خطيرة ومثيرة للقلق. يجب معارضة تشريعاتها من الناحية السياسية والإنسانية، وكذلك من الناحية البراجماتية.
جادل ريشي سوناك بأن مشروع القانون الجديد، الذي يعد مفتاحًا لإحدى أولوياته الخمس لرئاسته للوزراء، سوف «يستعيد السيطرة على الحدود، مرة واحدة وإلى الأبد».
ستكون هناك قيود على حقوق المهاجرين في استخدام المراجعة القضائية للطعن في القرارات، حيث يحاول الوزراء تجاوز الخلافات القانونية التي حالت دون تنفيذ خطط إرسال أشخاص إلى رواندا.
لكن منتقدين، بمن فيهم وزراء سابقون من حزب المحافظين، وجمعيات خيرية للعمل واللاجئين، حذروا من أن المقترحات غير قابلة للتطبيق وستترك آلاف الأشخاص في حالة من عدم اليقين من خلال منعهم من المطالبة بالجنسية البريطانية مرة أخرى.
هناك عدد قليل من اتفاقيات الإرجاع مع دول أخرى سارية، على الرغم من توقع وصول أكثر من 80 ألف شخص إلى المملكة المتحدة عبر قوارب صغيرة هذا العام. في الوقت الحالي، هناك قدرة محدودة على احتجاز عدة آلاف من طالبي اللجوء.
سوناك يرى إن القانون الجديد «إجراء صارم وعادل وضروري»، رغم أن الحكومة دفعت أكثر من 140 مليون جنيه إسترليني لرواندا، لكن لم تقلع أي رحلات جوية تقل أشخاصًا قسريًا إلى العاصمة، كيجالي، بسبب تحديات قانونية.
بريطانيا التي تتغنى بحقوق الإنسان، ترفع الآن شعارات «لا يمكنك الاستفادة من حماية العبودية الحديثة لدينا، ولا يمكنك تقديم مطالبات جادة بشأن حقوق الإنسان ولا يمكنك البقاء. سنحتجز أولئك الذين يأتون إلى هنا بشكل غير قانوني ثم نخرجهم في غضون أسابيع، إما إلى بلدهم إذا كان ذلك آمنًا أو إلى بلد ثالث آمن مثل رواندا».
المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قلقة للغاية من مشروع القانون، وأنه في حالة إقراره، فسيكون بمثابة انتهاكًا واضحًا لاتفاقية اللاجئين. ويلغي الحق في طلب حماية اللاجئين في المملكة المتحدة لأولئك الذين يصلون بشكل غير نظامي، بغض النظر عن مدى صدق مطالبتهم.
والسؤال الآن: هل تقوم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان باتخاذ إجراءات ضد الحكومة البريطانية بشأن هذه السياسة؟.
أعتقد أن الإجابة يعلمها الجميع؛ العالم المتقدم يكيل بمكيالين، ولا يطبق حقوق الانسان إلا على منصات المؤتمرات، ولا يتجاوز الأيمان بتلك الحقوق حناجرهم فقط.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية