لا يصيبني الملل أبدًا عند الحديث عن الزعيم مصطفى النحاس، سيرة النحاس، تستحق التوثيق الدائم. فهو الزعيم الطاهر الشريف عفيف اليد واللسان والتاريخ!
نعم.. هو الشريف الذي أخذه والده طفلا إلى ضريح الإمام الحسين وقال له «يا بن بنت الرسول هذا ابني مصطفى في مَعيتك وقد وهبته لخدمتك»! وهذا هو سر ارتباط النحاس بالمسجد الحسيني وحرصه على الصلاة فيه كل أسبوع.
وهذا هو سبب إصرار تلاميذ النحاس عند وفاته على السير بجنازته -بعد الصلاة عليه في مسجد عمر مكرم بميدان التحرير- إلى مسجد الحسين، والصلاة عليه مرة ثانية داخل المسجد الذي ارتبط به منذ كان طفلًا.. وهتفت الجماهير عندما اقتربت الجنازة من المسجد «يا ابن بنت الرسول الزين جالك الحبيب الزين».
علاقة النحاس بمسجد الحسين استمرت وازداد تعلقه به بعد يوليو 1952 عندما تم تحديد حركة الزعيم مصطفى النحاس.. وكان مسجد الإمام الحسين من الأماكن المسموح له بزيارتها أسبوعيًا بناءً على طلبه.. وكان مريدوه يذهبون إلى هناك يوم الجمعة لمقابلته والاطمئنان عليه، وكان سعد عبد النور نجل القيادي الوفدي البارز فخري عبد النور لا يرى النحاس إلا كل يوم جمعة في مسجد الإمام الحسين بالقاهرة.. وفي إحدى المرات قال سعد عبد النور للنحاس: يا باشا أنا مسيحي.. مش معقول كل ما أحب أشوفك لازم تجبرني أدخل جامع الحسين! فرد عليه النحاس مازحًا: جرى إيه يا سعد إنت ما تعرفش إن مولانا الحسين كان وفدي!
هذه الحكاية الحقيقية هي مفتاح شخصية مصطفى النحاس باشا الذي قضى عمره يدافع عن الوطن وقضيته الوطنية من خلال الوفد، الحزب العريق الذي عشقه مثل روحه مستعينًا بالله.. متمسكًا بثوابته التي لا تختلف عن ثوابت كل المصريين الذين كانوا يعملون نهارًا من أجل لقمة العيش ويناضلون ظهرًا ضد الاحتلال ويزورون، ليلًا، أولياء الله الصالحين تبركًا بهم فى مواجهة ظُلم الاحتلال، ويمسكون بأيدي إخوانهم المصريين بغض النظر عن دينهم لصناعة عروة وثقى تحميهم من الطغيان والتشتت والانحدار.. كانت هكذا مصر وكان مثلها النحاس.. الذي كانت حياته مثل وفاته.
قال الصحفي والإعلامي إبراهيم عيسى: «مصطفى النحاس رجل عظيم ومظلوم ولا يوجد أعظم منه في تاريخ مصر..حزب الوفد كان حينها حزب الأغلبية وجاء بالديمقراطية والانتخاب رغم وجود بعض المظالم ووجود ملك يحتكر السلطات واحتلال إنجليزي».
نعم.. مصطفى النحاس، هو الزعيم الذي تعرض، ومازال، للظلم، فهو الزعيم الوطني، المناضل، الذي تعرض لأكبر عملية محو تاريخي لإنجازاته السياسية، وهو الزعيم الطاهر الشريف الذي لم يحصل على تكريم من وطنه سوى إطلاق اسمه على شارع شاءت الظروف أن يكون شارعًا مهمًا في أحد أحياء القاهرة!
دعونا نتكلم عن سيرة مصطفى النحاس، حتى تعرفه الأجيال الجديدة، التي تبحث عن مثل مضىء في طريق العمل السياسي، وتبحث عن أمل في قلب عتمة النهار، ولن نجد أفضل من مصطفى النحاس نموذجًا، وهو الرجل الذي أطلق عليه سعد زغلول لقب «سيد الناس» الذي أصبح لقبه فيما بعد.. «الزعيم المظلوم»!
«النحاس» تعرض لانتقادات شديدة بسبب قبوله تشكيل الحكومة الخامسة له، والتي استمرت أربعة أشهر، تقريبًا، من 4 فبراير 1942 وحتى 26 مايو من نفس العام، وقد تعرض للهجوم لأن الإنجليز فرضوها على الملك «فاروق».. فقد كانوا يريدون حكومة يرضى عنها الشعب خوفًا من القلاقل الداخلية أثناء الحرب العالمية الثانية، ولكن «النحاس» قال في خطاب الحكومة موجهًا حديثه للملك: «لقد ألححتم علىّ المرة تلو المرة ثم ألححتم علىّ المرة تلو المرة كي أقبل هذه الوزارة وقد قبلتها» لينفي الرجل بذكاء شديد الاتهام الذي وجهه خصوم الوفد للنحاس بالتواطؤ من أجل الحصول على منصب رئيس الوزراء!!
ورغم كل هذه الوزارات وكل هذا السلطان كان يعود الرجل بعد أشهر قليلة من الحكم إلى صفوف الجماهير، مناضلًا ومكافحًا من أجل الحرية والديمقراطية.. لم يفسد ولم يتربح.. حتى إن خصومه حاكموه في البرلمان وأصدروا ضده كتابًا أسود واتهموه بالفساد لأن زوجته السيدة زينب الوكيل لم تدفع رسومًا جمركية مقررة على بالطو «فرير» حضرت به من الخارج وكانت ترتديه.. فاعتبره خصومه فسادًا!
ظل النحاس مقيد الحركة حتى توفي يوم 23 أغسطس 1965 وهو لا يملك سوى معاش لا يكفي تغطية ثمن الدواء.. عاش فقيرًا ومات فقيرًا.. ولكنه بلا شك رحل زعيمًا فماتت الزعامة من بعده.
النحاس، كما قلت لكم هو أيقونة الوفد، ودليل الوفديين للمبادئ التي لا تموت، وزعيمهم الملهم، وقائدهم عند الشدائد، ونحن جميعًا سائرون على دربه.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية