ذكرى حرب العاشر من رمضان، هي فرصة كما قال الرئيس السادات لكي نتدارس، كيف قامت القوات المسلحة، بمعجزة لا تتكرر بمقاييس العسكرية وفنون الحرب.
ومن أهم تفاصيل القدرة، كانت خُدعة الحرب خلال شهر رمضان المبارك، فلم يكن العدو يتصور أن يتمكن الصائمين من خوض معارك فكان الاطمئنان ساكنا فى قلوب قياداته، فكانت الضربة المصرية قوية وعنيفة.
كشفت صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية، عن مراسلات بين وزير الدفاع الإسرائيلي خلال الحرب «موشية ديان» ورئيس شعبة الاستخبارات بالجيش الإسرائيلي ايلى زعيرا» تؤكد أن المخابرات العسكرية فشلت في التنبؤ بالحرب. «دیان» طلب من «زعيرا» إعطاءه قرارا.. هل ينوى الجيش المصري شن حرب على إسرائيل أم لا؟ فكان الرد من قبل زعيرا هو كل المؤشرات تؤكد أن الجيش المصري لا ينوي فعل ذلك».
ما نشرته ها آرنس يدعوك فورًا لإعادة قراءة تفاصيل خطة الخداع الاستراتيجي التي نفذتها مصر، للتعتيم على موعد الحرب والعبور.
من أفضل الحكايات التي يمكن أن تستطيع الحصول عليها من الكاتب الشهير في مجال روايات المخابرات والجاسوسية، نبيل فاروق الذي كشف عن قصة «الخداع الاستراتيجي» وتنفيذها بحرفية ودقة غاية في الروعة.
يقول نبيل فاروق أن فكرة الخداع الاستراتيجي للعدو، بدأت مع قرار الرئيس المصري الراحل أنور السادات والقيادة السياسية، بضرورة خوض الحرب واستعادة أرض سيناء المحتلة، ولكن كانت المشكلة في كيفية التحضير العملية العبور، من دون أن يدرى بها العدو. كان الهم الأكبر لإسرائيل، هو أن تعلم إذا ما كانت مصر ستحارب أم لا؟
ولذلك، فقد قررت مصر توظيف جميع أجهزة الدولة في خطة خداع إسرائيل، بالإضافة إلى الصحف ووسائل الإعلام، وكان أهم ما في الخطة هو السرية الكاملة التي أحيطت بها من البداية إلى النهاية، ويمكن تلخيصها فيما يلي: اشترك السادات في خطة الخداع، عبر إعلانه استمرار حالة اللاحرب واللاسلم مع العدو، وعدم إعلان وقت معين في خطاباته للشعب المصرى للعبور، واسترداد سيناء كل ذلك خلق حالة من عدم المصداقية من الشعب المصرى في قرارات وخطب الرئيس، بالإضافة إلى خروج طلبة الجامعات في مظاهرات ساخنة محتجين على الرئيس لاعتقادهم أن الجيش المصري لن يحارب أبدا.
تم وضع خطة بسيطة، ومعقدة فى نفس الوقت لإدخال الطلمبات التي سيستعملها الجنود المصريون فى عمل ثغرات فى الساتر الترابي، الذي أقامه العدو لعدم عبور القوات أو الدبابات والمدرعات المصرية، فأعلنت وزارة الزراعة أنها ستستورد هذه الطلمبات من الخارج، بحجة استغلالها في نظام الرى للأراضي الزراعية.
خلال دراسة خطة الخداع، وجد رجال المخابرات المصرية، أن استيراد شحنات ضخمة من القمح، لتكون مخزونا احتياطيا أثناء الحرب مع إسرائيل سيجعل العدو يشك في الأمر، ويستنتج أننا نستعد للقيام بعملية حربية، ووضعت خطة عبقرية، فأعلنت وزارة التموين فساد مخزون القمح الموجود في مخازنها، نتيجة حدوث رطوبة للقمح وسوء التخزين.
وتصدر الخبر عناوين الصحف المصرية، وقامت الدنيا ولم تقعد، وطالب الكتاب والصحفيون بمحاسبة المسئول عن ذلك، واتخاذ التدابير اللازمة لتلاقي خطر حدوث أزمة في الرغيف المصري، واتخذ المسئولون المختصون قرارًا باستيراد صفقات بديلة من القمح، وبكميات ضخمة من الخارج، لتعويض مخزون القمح الفاسد.
كانت عملية توفير أماكن العلاج للمصابين من الجنود الذين قدر الخبراء أنهم سيبلغون «50%» في موجة العبور الأولى، تتطلب أن يتم إخلاء عدد من المستشفيات المدنية حتى يمكن استقبال هذا العدد من الجرحي الذين لن تستوعبهم مستشفيات القوات المسلحة وحدها.
تم تنفيذ الخطة بعد سبع ساعات فقط من وضعها، فتم تسريح ضابط طبيب من الخدمة العسكرية، وأعيد إلى الحياة المدنية، وتسلم وظيفته السابقة في وزارة الصحة، وتم تعيينه في مستشفى الدمرداش بالقرب من وسط العاصمة.. وبعد أسبوع تقدم بمذكرة إلى المدير ذكر فيها أن العنابر ملوثة بميكروب التيتانوس، وتم إجراء فحص شامل على العنابر وجاءت النتيجة إيجابية، وأن المستشفى ملوث بالرغم من أنه كان خاليا تماما من أي ميكروب.
تم إخلاء المستشفى من مرضاه لتطهيره من التيتانوس، ولكن كان يجب أن يتم اتباع وسيلة أخرى، عن طريق إثارة الأمر في الصحف، وتهييج الرأى العام، وتم الأمر بواسطة أحد الكتاب المعروف بمقالاته الملتهبة فاستنكر ما حدث فى مستشفى الدمرداش بسبب الإهمال والاستهتار بأرواح المرضى، ثم تساءل: إذا ما كان الأمر يقتصر على «الدمرداش» أم أن الإهمال طال بقية المستشفيات؟
ومع ردة الفعل الجماهيرى الغاضبة، أصدرت وزارة الصحة قرارا بإجراء تفتيش على بقية المستشفيات، وتم إسناد المهمة إلى نفس الطبيب في مستشفى الدمرداش، وأجرى التفتيش على عدد من المستشفيات ومع بدايات شهر رمضان كانت جميع المستشفيات المطلوبة خالية من المرضى نهائيا.
الحرب ليست مواجهة عسكرية فقط.. ولكنها خدعة، وتضليل معلوماتي موجه للعدو، وتوثيق معلومات قادمة عن العدو.. وكانت أكبر عملية خداع هى عبور الصائمين لقناة السويس.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية