مصر لن تقف عاجزة تجاه ما يحدث في إثيوبيا وسد النهضة وبدأت تحركا واسعا وكبيرا يكشف عن عزمها على اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة، بعد ما سلكت وعلى مدار السنوات كل الخطوات القانونية والسبل الدبلوماسية لإنهاء الأزمة سلميا، إيمانا بمكانتها ودورها الريادي في القارة الإفريقية، بل وفي العالم أجمع ارتكازا على موروثها الحضاري وسياساتها في تحكيم الحوار والعقل.
رسائل مصر مؤخرا حازمة وقاطعة وهي أنها مستعدة لاتخاذ كافة التدابير والخطوات المكفولة لها بموجب ميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن وجودها ومقدرات شعبها ومصالحه.
خطاب وزارة الخارجية الصادر خلال الساعات الماضية إلى مجلس الأمن يعد بمثابة اخطار نهائي يسبق التصرف القاطع من قبل القاهرة، بعد نفاذ جميع الخطوات والسبل المتبعة في مثل هذه النزاعات الدولية بما يتطلب الرد الفوري حماية للوطن ومقدراته.
مدلول الخطاب يكشف رفض مصر القاطع للسياسات الإثيوبية الاحادية المخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي والتي تشكل خرقا صريحا لاتفاق إعلان المبادئ عام 2015.
الإعلان الذي اطلق عليه وثيقة سد النهضة أبرم بين مصر والسودان وإثيوبيا في العاصمة السودانية الخرطوم في 23 مارس منذ أكثر من 9 سنوات عبر قمة ثلاثية بحضور رؤساء الدول الثلاث وحضور ممثل البنك الدولي.
الاتفاق تضمن ورقة تشمل 10 مبادئ ملزمة للدول الثلاث بشأن سد النهضة، ومرفق بها ورقة شارحة حول الانعكاسات الإيجابية للاتفاق على علاقات الدول الموقعة عليه.
وتركزت مبادئ الاتفاق حول نهر النيل كمصدر للحياة ومصدر حيوي للتنمية لشعوب الدول الثلاث، والزام هذه الدول بالبنود الموضحة فيه بشأن سد النهضة، والتي تضمنت عناوينها الرئيسية مبدأ التعاون، والتنمية، وعدم التسبب في ضرر ذي شأن، والاستخدام المنصف والمناسب، وبناء الثقة، وتبادل المعلومات والبيانات، وأمان السد، وسيادة ووحدة إقليم الدولة، وأخيرا مبدأ التسوية السلمية والمنازعات.
اتفاق المبادئ في حد ذاته منصف ويضمن عدالة توزيع المياه للدول الثلاث في حال تطبيقه وعدم اختراقه أو تجاوز نصوصه وعدم الاحتكام إلى مبادئه.
ولأن إثيوبيا أخذتها العزة بالاسم غير مبالية بما تم الاتفاق عليه في خرق تام لجميع بنود الميثاق الموثق والمعلن، لجأت مصر لمجلس الأمن لوضع الموقف المتأزم أمام العالم أجمع، بعد تصرف إثيوبيا منفردة بما يلحق الضرر البالغ بدولتي المصب مصر والسودان.
رسالة مصر إلى مجلس الأمن واضحة وهي أنها تملك الحق في الدفاع عن أمنها المائي واتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق ذلك على مختلف الأصعدة، وذلك إثر خرق إثيوبيا الصريح والواضح لإعلان المبادئ المبرم عام 2015، وكذلك خرقها للبيان الرئاسي لمجلس الأمن الصادر في 15 سبتمبر 2021.
باختصار.. قضية سد النهضة هي قضية وطن بأكمله تكاتلت فيه إرادة قيادته السياسية مع إرادة جموع المواطنين في ربوع البلاد بعدما استنفذت مصر كل الوسائل الدبلوماسية للحلول السلمية، وطرقت كل الأبواب على مدار سنوات كاملة في عمل مضني وشاق بهدف الوصول إلى خيارات عادلة ومنصفة للجميع تضمن استقرار المنطقة وعدالة توزيع المياه وحق دولتي المصب في الحياة.
13 عاما من المفاوضات الشاقة نفذ خلالها الصبر في مواجهة التعنت الإثيوبي ليأتي خطاب الخارجية المصرية إلى مجلس الأمن بمثابة نقطة تحول استراتيجية في مسار الأزمة، في خطوة محسوبة قد تدفع إثيوبيا ثمنا غاليا لها، كما أنها تضع المجتمع الدولي بأكمله أمام مسؤولياته، تعزيزا للموقف القانوني لمصر وردعا لانتهاك إثيوبيا الصارخ لمبدأ القانون الدولي للمياه، والأخطر إصرارها على نزع فتيل الأزمة واشعال النيران في القارة السوداء.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية