حال الوطن العربي اليوم وصل إلى نقطة لا تسر العدو ولا الحبيب، إذ أصبح مشهدًا مؤلمًا من الانقسامات، والصراعات، والاستنزاف الممنهج لمقدرات الأمة.
بين أطماع الخارج وتناحر الداخل، تبدو الأوطان العربية كأنها في سباق محموم نحو الهاوية.
لا تكاد تجد دولة عربية إلا وهي تعاني أزمة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وربما جميعها مجتمعة.
تحولت خريطة العالم العربي إلى فسيفساء من الأزمات، إذ تتجلى في كل زاوية مأساة تستنزف ثروات شعوبنا وتفتت نسيجها الاجتماعي. بين الاحتلال المباشر والصراعات الداخلية، تجد الأمة نفسها في مهب الريح، متسائلة: ماذا تبقى؟
الدول التي كانت تُعرف بثرواتها الطبيعية ومواردها أصبحت مثالًا للفقر، الدول التي كانت مهدًا للحضارة باتت ساحات للحروب والنزاعات.
العدو ينظر إلى المشهد العربي بعين الشماتة، سعيدًا بأن خططه للتفريق قد أتت أُكلها.
أما الحبيب، الذي كان يتمنى لهذه الأمة أن تستعيد مجدها، فيقف عاجزًا متحسرًا على تاريخ طويل من البطولات والمواقف المشرفة.
وبنظرة سريعة على أوضاع خريطتنا العربية الممزقة نجد عجب العجاب وما يشيب له الولدان وتقشعر منه الأبدان، حتى السمات المميزة التي تتصف بها بعض البلدان ويضرب بها الأمثال- راحت في خبر كان- أصبحت من نوادر الزمان.
الشام، التي لطالما كانت رمز الحضارة والتاريخ، صارت ساحة لصراعات إقليمية ودولية.
سوريا تئن تحت وطأة حرب أكلت الأخضر واليابس، ولبنان يعيش أزمات متتالية أفقدته مقومات الحياة الأساسية.
اليمن، الذي كان يعرف بـ«السعيد»، فقد سقط في مستنقع الانقسامات والحرب الطاحنة التي دمرت اقتصاده وأفقرت شعبه.
لبنان، الذي اشتهر بجمال طبيعته وقوة شعبه، يواجه انهيارًا اقتصاديًا خانقًا، وأزمات سياسية جعلت الأرز يذبل رمزًا للتراجع.
العراق وليبيا، فقد سُرقت ثرواتهما النفطية بفعل الاحتلال والنزاعات الداخلية، وأصبح النفط لعنة بدلاً من أن يكون نعمة، وسط تنافس القوى الدولية على النفوذ.
السودان، الذي اشتهر بثرواته الطبيعية وصمغه العربي، يغرق في صراعات داخلية وحروب تهدد وحدته.
فلسطين، القلب النابض للعروبة، لا تزال تعاني من الاحتلال الإسرائيلي الذي ينهب زيتونها ويقتل أحلام شعبها في الاستقلال.
يجمع الواقع العربي بين الاحتلال الخارجي والانقسامات الداخلية، حيث يغذي كل منهما الآخر في دائرة مفرغة من الفوضى.
هذه الأزمات ليست عفوية، بل نتيجة سياسات ممنهجة تهدف إلى إضعاف الأمة العربية وإبقائها رهينة للتبعية السياسية والاقتصادية.
باختصار.. رغم كل ما سبق، ما زالت هناك شعوب تناضل من أجل البقاء والكرامة.
الأمل يكمن في الإرادة الشعبية التي تسعى لإحياء المشروع العربي، بعيدًا عن الهيمنة الخارجية والانقسامات الطائفية والسياسية.
رغم السواد الذي يحيط بالحاضر، لا يمكن إنكار وجود شعوب واعية ومثابرة، تسعى في ظل هذه الظروف إلى بناء مستقبل أفضل، فلا تزال هناك إرادة للتغيير، وإن كانت الطريق طويلة وصعبة.
متى يدرك العرب أن قوتهم تكمن في وحدتهم؟ ومتى ينتصر صوت الحكمة على ضجيج السلاح؟
ويبقى السؤال الأهم: هل ستنتفض الأمة العربية لتعيد صياغة مصيرها، أم ستظل عالقة بين الاحتلال والانقسامات؟
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية