تشهد ولاية كاليفورنيا الأمريكية حرائق غابات مدمرة بشكل متكرر خلال السنوات الأخيرة، تُعتبر واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية التي تُهدد حياة الإنسان والطبيعة على حد سواء.
ورغم ذلك، نجد بين الحين والآخر من يُحاول تصوير هذه الكارثة على أنها انتقام إلهي أو عقاب موجه لفئة معينة أو ديانة بعينها.
هذه التفسيرات ليست فقط غير علمية، بل إنها تتجاهل الحقائق البيئية والاجتماعية المعقدة التي تؤدي إلى اندلاع هذه الحرائق واستمرارها.
تضم كاليفورنيا مجتمعات متعددة الأعراق والأديان، حيث يعيش بها أكثر من نصف مليون مسلم يساهمون في النسيج الاجتماعي والثقافي للولاية، كما تحتضن ما يزيد عن 250 مسجدًا بعضها تعرض للحرق.
هذا التنوع يجعل من أي تفسير أحادي الجانب للأحداث، سواء كان عقائديًا أو دينيًا، أمرًا غير منطقي ولا يستند إلى الواقع.
تشير الدراسات العلمية إلى أن حرائق كاليفورنيا تعود إلى عوامل معقدة، من أبرزها:
- التغير المناخي: أدى ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدلات الأمطار إلى زيادة الجفاف، مما يُهيئ الغابات للاشتعال بسهولة.
- النشاط البشري: الإهمال أو الحوادث البشرية، مثل إشعال النيران في أماكن غير آمنة، يُعتبر من المسببات الرئيسية.
- الرياح القوية: تُسهم الرياح الجافة والقوية في انتشار النيران بسرعة فائقة.
- البنية التحتية: ضعف التخطيط العمراني بالقرب من الغابات يزيد من تعرّض السكان للخطر.
ما يحدث في كاليفورنيا ليس عقابًا إلهيًا، بل كارثة إنسانية تُظهر هشاشة البشر أمام قوى الطبيعة.
المتضررون ليسوا من ديانة أو عرق محدد، بل يشملون الجميع دون تمييز. المسلمون وغير المسلمين يعانون معًا من الخسائر المادية والمعنوية، ويعملون جنبًا إلى جنب لإغاثة المتضررين وإعادة بناء ما دمرته النيران.
القول بأن النار التي تندلع في كاليفورنيا تُميز بين مسلم ومسيحي وبوذي وملحد هو فكرة لا تستند إلى الواقع أو المنطق.
الطبيعة، بظواهرها وكوارثها، لا تُفرق بين البشر بناءً على معتقداتهم أو أديانهم. النار، مثلها مثل أي ظاهرة طبيعية أخرى، تتبع قوانين الفيزياء والبيئة، وليس لها أي وعي أو نية للتفرقة.
الحرائق لا تستثني أحدًا، جميع من يعيشون في المناطق المهددة معرضون للخطر، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية أو العرقية. هناك مسلمون فقدوا منازلهم، ومسيحيون هُجّروا، وملحدون تكبدوا خسائر فادحة. الكارثة تُصيب الجميع، وهي تذكير بأننا جميعًا بشر نعيش على كوكب واحد ونتأثر بمصيره.
ربط الكوارث الطبيعية بعقاب إلهي تجاه فئة بعينها يُساهم في نشر الانقسام والكراهية بدلًا من الوحدة. هذه الأفكار تتجاهل حقيقة أن الله عادل ورحيم، ولا يُعاقب الأبرياء بسبب انتماءاتهم.
الإسلام ذاته يُعلمنا أن المصائب ليست بالضرورة عقابًا، بل قد تكون اختبارًا أو نتيجة لأفعال بشرية.
ربط الحرائق في كاليفورنيا بما يحدث في غزة، أو تفسيرها كنوع من الانتقام الإلهي، هو تفسير عاطفي وغير دقيق لا يتوافق مع الفهم الديني أو العلمي.
من المهم تناول مثل هذه القضايا بحكمة ووعي، خاصة عندما نتحدث عن الظواهر الطبيعية التي تحدث وفق قوانين بيئية وليست بناءً على استهداف أو نية إلهية تجاه شعب أو دولة بعينها.
وإذا كان ذلك كما يدعي البعض أنه عقابا لأمريكا لأنها تدعم إسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها ضد الأشقاء في غزة فلماذا لم يقع العقاب مباشرة على إسرائيل؟
إسرائيل، بسبب موقعها الجغرافي، نادرًا ما تتعرض للأعاصيرالتي تحدث عادة في المناطق المدارية أو القريبة منها، بينما إسرائيل تقع في منطقة جافة وشبه صحراوية.
عدم وقوع كوارث طبيعية في إسرائيل ليس دليلًا على تفضيل أو تمييز، وإنما هو نتيجة طبيعية للظروف الجغرافية والمناخية.
علينا كمجتمع عالمي أن نتعامل مع هذه الكوارث بروح التضامن والتكاتف، لا أن نستغلها لإثارة الانقسامات أو نشر الكراهية. يجب أن تُوجه الجهود نحو دعم المتضررين، تعزيز الوعي البيئي، والمساهمة في الحد من التغير المناخي الذي بات يشكل خطرًا وجوديًا على الجميع.
باختصار.. تبقى هذه الحرائق تذكيرًا لنا بأهمية الوحدة الإنسانية في مواجهة التحديات الكبرى، بعيدًا عن التفسيرات الضيقة وغير المنطقية التي لا تخدم سوى نشر الانقسام.
الله سبحانه وتعالى يدعو إلى الرحمة، العدل، والتعاطف مع الآخرين، وليس إلى التفسير الضيق للأحداث بما يُعزز الانقسام أو التشكيك في حكمته