كيف لنا أن نبث خطوات الدولة المصرية على الهواء مباشرة ولنا أعداء يتربصون بنا ليل نهار، يراقبون كل تحرك، ينتظرون أي ثغرة لينقضوا علينا بلا رحمة ولا هوادة؟ مصر ليست دولة عادية، وموقعها الجغرافي ووزنها السياسي والتاريخي يجعلانها دائماً هدفاً لأطماع خارجية، وصراعات دولية، ومؤامرات لا تنتهي.
في وقت يمر فيه العالم كله بتقلبات سياسية واقتصادية عنيفة، لا يمكن أن نكون نحن من يقدم خريطة تحركاتنا وأدواتنا وخططنا على طبق من ذهب لأعدائنا.
الحفاظ على الأمن القومي ليس شعاراً، بل هو التزام مقدس ومسؤولية تقع على عاتق الجميع، وعلى رأسهم الحكومة التي يجب أن تفكر ألف مرة قبل أن تجعل من اجتماعاتها الأسبوعية منصة مفتوحة على الهواء.
إن بث اجتماعات مجلس الوزراء مباشرة هو أمر لا يحدث في كثير من الدول التي تحترم أمنها القومي، فلا يعقل أن يتم عرض تفاصيل الخطط الحكومية والتحديات التي تواجهها الدولة على مرأى ومسمع الجميع، خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تعج بالصراعات والاستخبارات الأجنبية والجماعات الإرهابية التي تبحث عن أي ثغرة لتدمير استقرار الشعوب.
نحن في مصر نواجه تحديات هائلة، من أزمة اقتصادية ضاغطة إلى تهديدات إقليمية متزايدة، ومع ذلك، نجد أن بعض السياسات الإعلامية لا تزال تتعامل مع هذه الأوضاع الحساسة بقدر من التهاون، وكأننا في حالة استقرار مطلق.
لا أحد ينكر أن الشفافية مهمة، وأن من حق المواطن أن يعرف كيف تُدار دولته، ولكن يجب أن يكون ذلك بمنطق يوازن بين حق المعرفة وواجب الحفاظ على الأمن القومي. المواطن المصري البسيط، الذي يواجه يومياً تحديات الغلاء، وشح الموارد، ونقص الخدمات، لا يعنيه كثيراً ما يُقال في الاجتماعات، بقدر ما يعنيه ما يتحقق على أرض الواقع.
المواطن لا يترجم جهود الحكومة عبر الكلمات، بل عبر ما يلمسه في حياته اليومية من تحسينات ملموسة، من خدمات أفضل، من مشاريع تُفتتح وتُشغل وتُدار بكفاءة. فما الفائدة من أن يسمع المواطن عن خطط رائعة على الورق، بينما يظل الواقع صعباً؟ وما الفائدة من أن يرى المواطن بثاً مباشراً لاجتماع مجلس الوزراء كل أسبوع، بينما يظل ينتظر خدمات صحية وتعليمية جيدة، ولقمة عيش كريمة، وسقف يحميه من غدر الأيام؟
إن الأعداء الذين يتربصون بمصر ليسوا بسطاء، وهم يدركون جيداً أن نقطة ضعف واحدة كفيلة بإحداث ضرر لا يمكن إصلاحه بسهولة، ولذا فإن كشف خطط الدولة على الهواء مباشرة هو بمثابة تقديم هدية مجانية لهؤلاء المتربصين.
إنهم يحللون كل كلمة تُقال، يدرسون كل تفصيلة تُذكر، ويستخدمون كل معلومة في التخطيط لإفساد هذه الخطط أو عرقلتها أو استغلالها ضدنا.
نحن لا نعيش في فراغ، بل في عالم مليء بالتحديات والمؤامرات، ومن حق الدولة المصرية أن تحتفظ بسرية خطواتها، وتحركاتها، واستراتيجياتها، لتتمكن من العمل بحرية وكفاءة دون أن تكون مكشوفة للجميع.
إنني كقيادي عمالي مستقل، أطالب الدولة المصرية وعلى رأسها رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، بإعادة النظر في مسألة بث الاجتماعات الأسبوعية على الهواء مباشرة، لما يمثله ذلك من خطر حقيقي على الأمن القومي.
يمكن للحكومة أن تعلن نتائج اجتماعاتها في بيانات رسمية بعد انتهائها، توضح ما تم مناقشته وما تم اتخاذه من قرارات، دون الحاجة إلى كشف كل تفاصيل النقاشات والخطط أمام العلن.
إن حماية مصر وأمنها واستقرارها هي مسؤولية الجميع، والشفافية لا تعني الانكشاف الكامل، فحتى أكبر الديمقراطيات في العالم تعرف أن الأمن القومي خطوطه الحمراء لا يجب تجاوزها تحت أي ظرف.
إننا نحتاج اليوم إلى قرارات جريئة لحماية هذا الوطن من أي اختراق، ونحتاج إلى حكمة في إدارة الأمور، فالشعوب لا تحيا بالكلمات، بل بالعمل الجاد والخطط المحكمة التي تُنفذ في صمت ثم تظهر نتائجها في وضح النهار.
ولعل أهم درس تعلمناه من تاريخنا هو أن مصر حين كانت تعمل في هدوء، كانت تنتصر، وحين كانت ترفع شعارات أكثر من العمل، كانت تخسر. واليوم، نحن بحاجة إلى أن نتعلم من الماضي، ونحمي مستقبلنا، ونضع مصلحة هذا الوطن فوق أي اعتبار.
إن المواطن المصري ليس في حاجة إلى أن يسمع وعوداً أو خططاً، بل في حاجة إلى أن يرى نتائج حقيقية على أرض الواقع، نتائج ترفع عنه المعاناة، وتمنحه الأمل في غد أفضل، وتجعله يشعر بأن حكومته تعمل من أجله بجد وإخلاص.
أما الأعداء، فهم في انتظار أي خطأ، أي زلة، أي معلومة، ليستخدموها ضدنا. لذا، أكرر ندائي للحكومة: حافظوا على أمننا القومي، ولا تجعلوا من اجتماعاتكم الأسبوعية ساحة مفتوحة لكل من يريد النيل من مصر.
قيادي عمالي مستقل
مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس