منذ تأسيس حركتي فتح وحماس، ظلّت الساحة الفلسطينية تعيش على وقع الصراع بينهما، مما أثّر بشكل كبير على وحدة الصف الفلسطيني وعلى مسار القضية الفلسطينية نفسها.
وبينما يواجه الشعب الفلسطيني الاحتلال الإسرائيلي بكل أشكاله، فإنّ الانقسام الداخلي بين الفصيلين الرئيسيين زاد من معاناته وأضعف موقفه على الساحة الدولية.
تعود جذور الخلاف بين فتح وحماس إلى اختلاف التوجّهين السياسي والأيديولوجي لكلا الحركتين.
حركة فتح، التي تأسست عام 1959، اتّبعت نهجًا وطنيًا يعتمد على الكفاح المسلح، ثم تحوّلت تدريجيًا إلى تبنّي الحلول السياسية والدبلوماسية، مما أدى إلى توقيعها اتفاقية أوسلو عام 1993 مع إسرائيل، وهو ما كان نقطة تحول في العلاقة مع الفصائل الأخرى.
حركة حماس، التي نشأت عام 1987 كفرع لحركة الإخوان المسلمين، اتخذت خط المقاومة المسلحة كخيار رئيسي، ورفضت أي اتفاقيات مع إسرائيل، معتبرةً أن الحل السياسي لن يجلب الحقوق الفلسطينية.
تفاقم الخلاف بين الحركتين بعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، حيث فازت حماس بالأغلبية، لكن الصراع على السلطة بلغ ذروته في 2007 عندما سيطرت حماس على قطاع غزة، مما أدى إلى انقسام فعلي بين الضفة الغربية، التي تديرها السلطة الفلسطينية بقيادة فتح، وقطاع غزة، الذي تحكمه حماس.
ومنذ ذلك الحين، تعيش القضية الفلسطينية على وقع الانقسام، رغم العديد من محاولات المصالحة التي لم تحقق أي نتائج دائمة، ونتج عن تداعيات الانقسام العديد من المخاطر ومنها:
إضعاف القضية الفلسطينية دوليًا: الانقسام جعل من الصعب تشكيل موقف فلسطيني موحد أمام المجتمع الدولي، مما استغلته إسرائيل لتعزيز سياساتها الاستيطانية وفرض واقع جديد.
تفاقم الأزمة الإنسانية: الحصار على غزة وتدهور الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية أثرا بشكل كبير على معيشة الفلسطينيين، مما زاد من البطالة والفقر.
تراجع المقاومة ضد الاحتلال: في وقت تحتاج فيه القضية الفلسطينية إلى جبهة موحدة، تسبب الخلاف بين الحركتين في تراجع التنسيق بين الفصائل المختلفة، مما أضعف العمل الوطني ضد الاحتلال.
رغم المحاولات العديدة للمصالحة، لا تزال العقبات قائمة، سواء بسبب التدخلات الخارجية، أو المصالح السياسية لكل طرف. ومع ذلك، يبقى الأمل معلقًا على وعي الشعب الفلسطيني وإرادته في الضغط على القيادات لإنهاء هذا الانقسام، لأنّ المستفيد الأكبر منه هو الاحتلال الإسرائيلي، بينما الخاسر الأول هو الشعب الفلسطيني الذي يدفع الثمن من حياته ومستقبله.
لا شك أن الصراع بين فتح وحماس أضعف القضية الفلسطينية على المستويين الداخلي والخارجي، وساهم في تفكك الصف الوطني، مما منح إسرائيل فرصة ذهبية لتعزيز سياساتها الاستيطانية والتوسع في الضفة الغربية.
استغلت تل أبيب هذا الانقسام لترويج فكرة أن الفلسطينيين غير قادرين على إدارة دولتهم بأنفسهم، وأنه لا يوجد شريك فلسطيني موحد يمكن التفاوض معه، مما برر استمرار الاحتلال وتأجيل أي حلول سياسية.
استخدمت إسرائيل سياسة «فرق تسد» لتعميق الفجوة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، عبر فرض قيود اقتصادية وأمنية مختلفة على كل منطقة، مما أدى إلى عزلهما عن بعضهما البعض.
دعمت إسرائيل سرًا استمرار هذا الانقسام من خلال السماح بتدفق الأموال القطرية إلى غزة، بينما تُنسّق أمنيًا مع السلطة الفلسطينية في الضفة، مما عزّز حالة الجمود السياسي وأضعف أي جهود لتحقيق المصالحة.
هذا الوضع انعكس سلبيًا على الدعم الدولي للقضية الفلسطينية، حيث باتت العديد من الدول ترى في الانقسام الفلسطيني الداخلي عائقًا أمام أي حل سياسي، مما أتاح لإسرائيل فرصة توسيع نفوذها دوليًا، والتطبيع مع بعض الدول العربية دون مواجهة ضغط حقيقي لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية.
باختصار.. الصراع بين فتح وحماس ليس مجرد خلاف سياسي، بل هو أزمة تمسّ جوهر القضية الفلسطينية وتؤثر على مصيرها. ما لم تتجاوز القيادات خلافاتها لصالح وحدة المشروع الوطني، ستبقى القضية الفلسطينية رهينة لهذا الانقسام، وسيظل الفلسطينيون هم الضحية الأكبر لهذا الصراع الطويل.