بقلم – رائد العزاوي
سربا طائرات يقودهما طيارون عراقيون (طائرات F ١٦ وميراج) إضافة إلى ١٠ طائرات مروحية أمريكية «أباتشى» حصل عليها العراقيون من الأمريكان تشارك في معركة تحرير الموصل.
إلى أين تمضى بك الدنيا يا حدباء الربيعين؟ هذا هو السؤال المهم، الذي لم يجد له كل باحثى العالم أي جواب، فالعمليات العسكرية لن تكون نزهة وحتى إذا نجحت حملة تحريرها من تنظيم الدولة فسيظل طريق السلام والاستقرار بعيدًا عن العراق، ويبقى السؤال الأهم: من سيعيد البناء؟
المعركة بكل معطياتها على الأرض صعبة ومعقدة جدًا، الطبيعة الجغرافية والمناخ وحتى التركيبة السكانية لن تكون كلها عوامل مساعدة للعراقيين وقوات التحالف، فتنظيم داعش يملك على الأقل قوة بشرية وعسكرية كبيرة تقدر بنحو ٩٠٠٠ مقاتل منهم المهاجرون الأجانب (الأوروبيون بنحو ٣٠٠٠ آلاف) والباقى سوريون ومصريون وأردنيون وتونسيون وسوريون (من ٢٥٠٠ إلى ٣٠٠٠)، أما الباقى فهم عراقيون، وهم القوة الأشد في هذه المعركة لأسباب نفسية وعقائدية دينية، حيث لا مفر أمام هؤلاء إلا القتال إلى آخر نفس وهؤلاء كلهم يحملون أحزمة ناسفة، وكلهم انتحاريون بسيارات مفخخة، إضافة إلى أنهم يعرفون جيدًا طرق ومداخل ومخارج المدينة، ضف إلى ذلك أن هناك من سيتعاطف مع التنظيم خوفًا من أن يتم قتله في حالة من حالات التطهير العرقى والمذهبى، وهنا تكمن كبرى المشاكل في مشاركة ما يسمى بالحشد الشعبى، الأمثلة على ذلك واضحة منها التي تناقلتها وسائل إعلام عالمية وصورها بعض منفذى عمليات القتل في تكريت والرمادى ومدن كثيرة أشعرت العالم كله بالقلق الواضح على تكرار هذه الاحالات في مدينة الموصل.
لا ننسى أننا أمام مشهد خطير في العراق، فكل من إيران تدفع بأوراقها في هذا المشهد، وتضع سيناريوهاتها، فهى تريد بطريقة أو بأخرى (طبعًا بالاتفاق مع أمريكا) أن تكون حاضرة في الموصل، ومن سيناريوهات إيران القضاء على أكبر عدد ممكن من مناهضى دورها من السُنة العراقيين أو على الأقل تضمن ولاء قادة السُنة بعدم زعزعة مشروعها في العراق، وهى قالت ذلك بوضوح لسليم الجبورى (رئيس مجلس النواب الحالى)، وهو من قيادات السُنة، وأرسلت معه رسائل واضحة (نحن باقون في العراق)، وافق السُنة أم لم يوافقوا، وأن مشروع الهلال الشيعى هو مشروع قائم.
وأقول وبوضوح شديد إن الكثير من القيادات السُنية في العراق بدءوا يوافقون على هذا المشروع مع تخاذل الدور العربى من المملكة العربية السعودية ودول الخليج وتراجعهم عن دعم العراق وفتح أبواب تلك الدول لأن تكون حاضنة للعراقيين جميعًا، وهذا ما لمسته من قيادات سُنية وقيادات شيعية كانت تعتبر المملكة العربية السعودية هي الأقرب لهم من إيران وأقصد السيد مقتدى الصدر، كمشروع مناهض لوجود إيران في العراق.
كما أن العراقيين يرون أن غياب الدور العربى المشارك في عمليات التحرير أمر مريب، يقول أحد السياسيين العراقيين السُنة «إذا كانت هناك خشية من العرب على أبناء الموصل وخوف من تطهير عرقى لماذا إذا لم يشارك العرب السنة معنا ويدعموننا، بينما نرى الطرف الإيرانى يقدم السلاح والمال»؟، وهو سؤال مهم جدًا.
صحيح أن الرئيس عبدالفتاح السيسى، وفى لقائه الأخير مع رئيس مجلس النواب العراقى سليم الجبورى قال وبشكل واضح إن مصر تقف إلى جانب العراقيين في حربهم ضد الإرهاب، ومصر قدمت تدريبًا للطيارين العراقيين، وأيضا لقوات مكافحة الشغب، وسلاحًا ومدرعات متطورة رغم ظروفها الاستثنائية، كما أن الاتصال الهاتفى بين الرئيس السيسى ورئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى كان واضحًا فيه وضوح الشمس «مصر مع العراق قولًا واحدًا»، لكن العراق الذي تراه مصر هو العراق الواحد الموحد المكفول فيه الحرية للجميع على أساس الوحدة الوطنية والنسيج الواحد.
أما تركيا فإن مشاركتها أصبحت بعيدة، خصوصًا بعد أن أظهر العراقيون قوتهم على الأرض في رفضهم للمشاركة التركية، وهروب طاقم السفارة التركية في بغداد، والاحتماء بأحد الفنادق المحصنة والمظاهرات الشعبية العارمة الرافضة لأى دور، هنا فقط بدأت تركيا تعرف أن حلم خلافة «أردوغان» للعرب بدأ يتهاوى كأوراق الخريف، فكل بجاحة أردوغان وتصريحاته لم تخف العراقيين، وأمس قالها الوفد التركى الذي زار وزارة الخارجية العراقية في بغداد «لن تشارك أي قوة تركية موجودة في بعشيقة في أي عمليات إلا عمليات الإغاثة فقط».
الموصل ستشهد دمارًا كبيرًا بلا أدنى شك وجسورها الخمسة على ضفة دجلة ستنتهى وشوارعها وبيوت أهلها ستحتاج إلى مليارات الدولارات لتقوم هذه المدينة من جديد وهذا يستلزم بحسب خبير عراقى إلى نحو ٢٠٠ مليار دولار.
والعراق يفتقر إلى الموارد والقدرة على إعادة بناء البلدات والمدن التي دمرت منذ شن الحملة ضد التنظيم قبل سنتين، وأن العراق دولة هشة إذا لم تكن فاشلة، وفى بعض المناطق لم تعد المزود الرئيسى للخدمات الأساسية والأمن. وأرجع أسباب هذا التدهور لاستمرار الفساد والطائفية والخلل الوظيفى للحوكمة وزيادة الميليشيات الشيعية والبيئة الأمنية المفتتة بدرجة كبيرة.
«بصرف النظر عن افتقار العراق للموارد لتمويل هذا الإصلاح فهى تفتقر أيضا للجيش النظامى القادر الذي يحظى بدعم السكان المحليين للحفاظ على سيطرتها على الأراضى التي استعادتها من تنظيم الدولة».
أنا أعتقد أن التنظيم الإرهابى لن يصطدم وجهًا لوجه مع قوات الأمن العراقية، وأنه سيعود إلى أسلوب التمرد ويواصل حربه في البيئة الحضرية التي توفرها مدينة الموصل، وهذا يعنى أنه سوف يذوب في السكان المحليين، مما يجعل من الصعب التمييز بين المقاتلين الجهاديين والمدنيين. إن إستراتيجية تحرير الموصل هي تطهير مناطق مقاتلى التنظيم والحفاظ على الأراضى المستعادة منه وإعادة بناء المدن المدمرة.
إن عملية تحرير الموصل تحمل ثقلًا خاصًا، لأن تحرير المدينة سيكون إيذانًا ببداية فعلية لما يمكن أن يسمى «اليوم الذي بعد التنظيم»، وأوضح أن هناك تشكيلة من الجماعات المختلفة القوية والمدججة بالسلاح التي لها أجندات وطموحات متضاربة، حيث يرى كل فصيل تأثيره وسيطرته على المحافظة كنفوذ محتمل فيما يتعلق بالنزاعات المعلقة التي كانت بينهم على مدى العقد الماضى على الأراضى، وتقاسم السلطة وموارد الطاقة بالعراق.
كما أن الظروف التي أدت إلى صعود تنظيم الدولة في المقام الأول لا تزال موجودة، وأنها تفاقمت بدلًا من أن تخف طوال العامين الماضيين منذ استيلاء التنظيم على الموصل عام ٢٠١٤.
يبقى لنا أن نتابع القادم، فالمعركة طويلة جدًا ربما أطول من معركة عين العرب كوبانى، لأن الأرض مختلفة والمزاج الدولى مختلف، واللاعبون لم يضعوا كل كروتهم على ورقة اللعب، وهناك أكثر من متغير ربما يجرى الترتيب له، فسوريا جار الموصل لم يحسم بعد فيها اللاعبون مواقفهم، وهو أمر يحتاج إلى وقفة ربما ستكون مفصلية وحاسمة في تاريخ المنطقة والعالم، وستظهر بشكل واضح ما إذا ما كانت أمريكا فعلا تريد بقاء تنظيم داعش على طاولة المفاوضات في سوريا أم لا.