بقلم – عباس الطرابيلى
بالتجربة.. أسعار الغذاء فى مصر أغلى من أوروبا وأمريكا.. وأستراليا كمان!! وتلك حقيقة مؤكدة.. وبالذات فى أستراليا.. فهل الأسهل أن نعيش فى أمريكا.. أم نعيش فى أستراليا والسبب واحد.. هو أن هذه الدول دول منتجة تأكل مما تزرع.. وتلبس مما تصنع وليس عجيبًا أنهم -كانوا فى البرازيل وحتى سنوات قليلة ماضية- يلقون فائض إنتاج البن، فى مياه المحيط الباسيفيكى.. أو أنهم فى كل دول أمريكا الوسطى والجنوبية يحولون الموز بعد تجفيفه إلى دقيق ويصنعون منه أنواعاً عديدة من الخبز.
والفواكه هى الأرخص فى كل هذه الدول.. حتى إننى إن كنت فى أي دولة أوروبية أو أمريكية، كنت أفضل دائمًا أن تكون وجبة عشائى من الفواكه (موز، تفاح، كمثرى، ومانجو) ثم فنجاناً من الشاى بالأعشاب!! وكذلك نفس الشيء وأنا فى أستراليا حيث الإنتاج الكمى الرهيب.. بل ونفس الشيء فى ماليزيا.. وكان شرابى المفضل هناك ماء جوز الهند أو عصير القصب.. والحلو: الأناناس!!
والسبب هو وفرة الإنتاج.. ومشكلتنا فى مصر الآن هى تدنى إنتاج كل شيء حتى إننا أصبحنا نستورد كل شىء.. وبعد أن كنا نتفاخر بأننا ننتج كل شىء من الإبرة إلى الصاروخ «!!» أصبحنا نستورد كل شىء: ملعقة السكر إلى زجاجة الزيت.. حتى إنهم أحيانًا يستوردون زيت النخيل الذى يستخدمونه فى العالم فى المواد الصناعية، ولكننا نستخدمه عندنا -ولو مخلوطًا- كزيت للطعام مع زيت اللفت، الذى هو زيت بذور الشلجم!!
وما دمنا نفعل ذلك فلن ينصلح حالنا أبدًا لأننا نستورد كل ما نأكل «الزيت 95٪ والقمح 70٪ والسكر 50٪ والعدس 85٪ وفول التدميس 90٪» وكفاية كده، والمؤلم أن معظمنا لا يعى خطورة ذلك على قرارنا السياسى، والسيادي.. وعلى الأمن الغذائى ومن ثم الأمن القومى.
والأخطر أن الشعب -إن فهم ذلك- فإنه يكاد لا يحرك ساكنًا فلا هو زاد من معدل إنتاجه، ولا هو خفض من معدلات استهلاكه وإذا تدخلت الدولة على ما يجرى من ارتفاع سعر الدولار، فإن المواطن يتأفف ويشكو.. ويعترض.. وليس على لسانه إلا أن يردد: هو إحنا عملنا الثورة لكى يصبح حالنا هكذا؟.. ونسى الكل أنهم -أى كل المصريين- مسئولون عن ما يجرى لأننا ما إن نسمع شائعة ولو كان أساسها صحيحًا حتى يتجه فورًا إلى شراء السلعة وتخزينها.. خشية لما يمكن أن يواجهه.
إننا بذلك نزيد الأزمة تحكمًا.. والغلاء اشتدادًا فلا الشعب زاد إنتاجه ولا خفض استهلاكه فضلاً عن تذمره وشكواه، ويا ليت المواطن تحمل ولو القليل، حتى نعبر الخندق الرهيب الذى يدمر أو يكاد حياتنا، ونسى الشعب هنا أنه -هو وحده- بيده حل المشكلة، والحكومة دورها الأحسن إدارة الأمور.. والمضحك أننا بعد أن أصبحنا شعبًا مستهلكًا.. لم نفكر إلى أبعد من أنوفنا، والكل يرمى المشكلة على الحكومة.. طيب: من أين تأتى الحكومة بكل ما يريده المواطن، بل ويلح عليه.. وأمامنا مشكلة السكر.. ذلك أن ما دخل مصر من سكر مستورد مع ما هو موجود من إنتاج محلى يزيد كثيرًا على الحجم الحقيقى لما نستهلكه فى المتوسط.. وتلك هى أزمتنا الحقيقة، الأزمة هى فى سلوكنا الاستهلاكى!!