بقلم – أيمن سلامة
توقعت جماعة الإخوان أن أحداث الترهيب والتخويف التى تمت عقب مليونية الشرعية والشريعة، ستجنى ثمارها بعدم نزول الناس إلى المظاهرات التى دعت إليها جبهة الإنقاذ، لمواصلة الضغط على محمد مرسى، كى يتراجع عن الإعلان الدستورى الذى أصدره فى ٢٢ نوفمبر ٢٠١٢، وكان موعد التظاهر الجديد هو الرابع من ديسمبر كرد فعل للحشد الأصولى الذى تم فى الأول من ديسمبر، فيما عرف بمليونية الشرعية والشريعة، وخرج المصريون من كل أنحاء البلاد فى مسيرات تندد بحكم المرشد الذى راهن على أن أحدًا لن يخرج بعد عمليات التعذيب والترويع الفردية التى تمت خلال اليومين السابقين على موعد التظاهر، والتى حرر بها عدة محاضر فى مختلف محافظات مصر، حيث تم الاعتداء على بعض الإعلاميين بتحطيم سياراتهم أثناء دخولهم مدينة الإنتاج الإعلامي، وتم حرق مقار حزب الوفد والتيار الشعبى إلى جانب خطف بعض دعاة التظاهر الذين ينتمون إلى القوى الليبرالية وتعذيبهم وإجبارهم على الاعتراف بأشياء لم يقترفوها لضمان عدم نزولهم أثناء المظاهرات الجديدة، ولكن الواقع جاء مخيبًا للآمال، فها هى الشوارع والميادين قد امتلأت بمئات الآلاف من البشر وها هى الحناجر تهتف بصوت كالرعد «يسقط يسقط حكم المرشد»، واتجهت المسيرات نحو قصر الاتحادية فى الوقت الذى كان مرسى بداخله، وخشيت الشرطة من اقتحام الجماهير للقصر، فأقامت عدة حواجز وأسلاك شائكة للحيلولة دون الوصول إلى أبواب القصر، بيد أن المتظاهرين تعدوا هذه الحواجز، فأصبحت الشرطة بين اختيارين إما أن تطلق الرصاص على الجماهير حفاظًا على الرئيس، وإما أن تنحاز إلى ثورة الشعب، فالمشهد ينبئ باندلاع ثورة ضد مرسى وجماعته، واختارت الشرطة ووزير داخليتها اللواء أحمد جمال الدين الاختيار الثانى، وتركوا الجماهير تعبر الأسلاك الشائكة وتقترب من الاتحادية دون اعتراض، وهنا طلب اللواء محمد زكى قائد الحرس الجمهورى من الرئيس سرعة مغادرة القصر فورًا، وفى نفس التوقيت تقريبًا كان اللواء أحمد جمال الدين قد اتصل بأحمد عبدالعاطى مدير مكتب الرئيس، وأبلغه بضرورة مغادرة مرسى الاتحادية، وبالفعل قام الحرس الجمهورى باقتياد مرسى إلى سيارته التى خرجت من باب خلفى فى حراسة بعض السيارت الأخرى، وحين رأى بعض المتظاهرين الموكب وهو يخرج من الباب الخلفى قاموا بإلقاء الأحذية والزجاجات الفارغة والطوب على السيارة، فأصيب مرسى بالهلع وخشى أن يلقى مصير القذافى ودخل فى نوبة عصبية ضد أفراد الحرس خاصة بعدما وصل إلى دار الحرس الجمهورى، وعلم أن المتظاهرين قد نصبوا خيامًا حول القصر، وقرروا الاعتصام ورأى عبر شاشات الفضائيات أسوار القصر، وقد كتب عليه ارحل ولا لحكم الإخوان، ويسقط محمد مرسى، وهنا استشاط غضبًا وهو يطلب من اللواء زكى أن يفض هذا الاعتصام وأن يطرد «العيال الصيّع دول» على حد تعبيره، والذى استمع إليه العشرات من أفراد الحرس والجنود الذين كانوا يضعون طعام العشاء أمامه والذى حدده أسعد شيخة ببط وكِشْك وملوخية، ولم يكن بدار الحرس يومئذ بط، فأمر مدير الدار بالنزول على رغبة الرئيس وشراء البط من أقرب المطاعم، أما اللواء محمد زكى فقد رفض أن يتدخل فيما هو خارج أسوار القصر، وأخبر الرئيس صراحة بأنه لن يفض الاعتصام، ولن يطلق رصاصة على مواطن مصرى، واتصل الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع بالرئيس ليطمئن عليه، فوجده غاضبًا مما حدث، فهدأ من روعه وأخبره بأن يراجع نفسه فى شأن الإعلان الدستورى، لأن الأمر يحتاج إلى حل سياسى وليس لتدخل أمنى، ووعده مرسى بدراسة الوضع واتخاذ القرار السليم فى أسرع وقت، وبات مرسى ليلته فى دار الحرس الجمهورى، وفى الصباح هاتف وزير الداخلية وطلب منه إنهاء الاعتصام وفضه بالقوة، فرفض الرجل ذلك صراحة وأخبره بأن الشرطة تقف على الحياد، وأن إنهاء الاعتصام بالقوة قد يؤدى إلى كارثة وتداعيات غير محمودة، وراح مرسى يصيح فى غضب أمام القاصى والدانى من جميع العاملين فى الرئاسة «هو أنا معرفش أفضها بطريقتى» وذكر هذا لأحد الضباط الذين شهدوا أمام المحكمة فى القضية المعروفة إعلاميًا بقضية الاتحادية، حيث هدد بفض الاعتصام بمعرفته، وبالفعل اجتمع بأسعد شيخة وأحمد عبدالعاطى وأيمن هدهد وهو مستشاره الأمنى الحاصل على بكالوريوس الزراعة، وتدارسوا الموقف وقاموا بالاتصال هاتفيًا بمحمد البلتاجى وعصام العريان وطلبوا منهما فض هذا الاعتصام بالقوة، وفى غضون ساعات ظهرت عدة أفواج من شباب الإخوان وهم يتحركون فى شكل منظم يشبه تحرك الكتائب العسكرية، وكان عبدالرحمن عز وأحمد المغير فى مقدمتهم واتجهوا نحو المعتصمين وهم يصيحون «قوة، عزيمة، إيمان..رجالة المرسى فى كل مكان» وبدأ الاشتباك بين الجانبين وفى وقت قصير نجح شباب الإخوان فى السيطرة على الأمور وإلقاء القبض على عدد من المعتصمين والتحقيق معهم، وأعطى عبدالرحمن عز والمغير وهدهد لنفسهم سلطات النيابة فى الاستجواب وتوجيه الاتهامات وتفاخروا بذلك أمام الكاميرات التى سجلت تعذيبهم للمعتصمين واستخدامهم للعنف وإجبارهم على الاعتراف بأنهم تقاضوا أموالًا من جبهة الإنقاذ، وأسفرت الأحداث عن سقوط ١١ قتيلًا من بينهم الصحفى الشاب الحسينى أبوضيف.. وللحديث بقية.