بقلم – أحمد الحصري:
دوما يبقى لنا الحلم فى يناير من كل عام.
قالها أبوالنجوم أحمد وغناها أسطى المغنواتية الشيخ إمام:
كل ما تهل البشاير
كل ما تهل البشاير من يناير كل عام
يدخل النور الزنازين
يطرد الخوف والضلام
يا نسيم السجن ميل ع العتب وارمى السلام
زهر النوار وعشش فى الزنازين.. الحمام
من سكون السجن صوتى نبض قلبى من تابوتي
بيقولولك يا حبيبتي
كلمتى من بطن حوتي
سلمى لى عالحبايب
يا حبيبتي
سلمى لي
كل حب وله نصيب من سلامي
بلغى لي
احضنى العالم عشاني
بين عيونك
وابعتى لي
نظرة
منها أشوف حبايبي
واشفى قلبي
واسأليلي
كل عالم فى بلدنا
كل برج وكل مادنه
كل صاحب من صحابنا
كل عيل من ولادنا
حد فيهم شاف علامة من علامات القيامة
قبل ما تهل البشاير
يوم تمنتاشر يناير
لما قامت مصر قومة بعد ما ظنوها نومة
تلعن الجوع والمذلة والمظالم والحكومة؟
سلمى لى ع الولاد السمر
خضر العمر فى عموم الحواري
سلمى لي
ع البنات المخطوبين فى المهد لسرير الجواري
واسأليلى بالعتاب كل قارى فى الكتاب
حد فيهم كان يصدق
بعد جهل وبعد موت
إن حس الشعب يسبق أى فكر وأى صوت
هى دى مصر العظيمة
يا حبيبتي
هى مصر
اللى فضلتى فى هواها
عشنا
على ألف قصر
هى دي
يا عزة
مصر.
كان يوما مشهودا خرجت مصر عن بكرة أبيها تتحدى نظاما فاسدا.. ١٨ و١٩ يناير يومان تاريخيان فى حياة مصر، كنا فى جامعة الإسكندرية شوية طلبة من مختلف ألوان اليسار الحزب الشيوعى المصرى والتجمع والعمال والتروتسكيين لم تكن هناك موبايلات أو لاب توب نتواصل مع بعض.
كان مسئولى فى اتحاد الشباب هو الأستاذ حمدى أبوكيلة ذهبت إليه: ماذا نفعل؟. قال: احنا مع الناس أيا كان. كانت الجامعة ثائرة تنتظر حتى جاءت أول شرارة مظاهرة يقودها السيد برجو بطل الترسانة البحرية لم ينتظر أحد أى أوامر وانطلق المجمع النظرى كليات التجارة والحقوق والآداب والتربية، مع عمال الترسانة البحرية فى مظاهرة لم تشهدها الإسكندرية من قبل. طافت المظاهرة شوارع الإسكندرية، لم أكن أعرف كيف أهتف لكنى وجدت نفسى فوق الأعناق أردد هتافات انتخابات نجاح الراحل أبوالعز الحريرى فى مواجهة رئيس وزراء مصر ممدوح سالم ضابط الداخلية السابق.
وانتهى اليوم الأول لتلك الانتفاضة العظيمة فى تاريخ مصر بخبر استشهاد معلمى الجميل الأستاذ محمد مطاوع ابن دسوق كفر الشيخ مسئول الشباب فى حزب التجمع.
كم بكيت وكم غضبت وكم كنت أتمنى مكانك أيها البطل بلا منازع.
تراجع السادات وعادت مصر لكن خيرة شباب مصر مازال يقبض عليهم،
اتهمهم رأس الدولة أنهم شوية حرامية، لكن هناك أبطالا آخرين ردوا بكل جرأة وبالقانون، إنه القاضى يوم كان القضاء الشامخ يمثل الشعب وليس الاتحادية، كما كتب الأستاذ صفوت صلاح:
المستشار حكيم منير صليب.. القاضى الذى تحدى السادات وحكم ببراءة المتهمين فى قضية انتفاضة يناير.
قال المستشار حكيم منير صليب فى حيثيات الحكم «والذى لا شك فيه وتؤمن به هذه المحكمة ويطمئن إليه ضميرها ووجدانها أن تلك الأحداث الجسام التى وقعت يومى ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧ كان سببها المباشر والوحيد هو إصدار القرارات الاقتصادية برفع الأسعار فهى متصلة بتلك القرارات اتصال المعلول بالعلة والنتيجة بالأسباب، ولا يمكن فى مجال العقل والمنطق أن ترد تلك الأحداث إلى سبب آخر غير تلك القرارات فلقد أصدرت على حين غرة وعلى غير توقع من أحد، وفوجئ بها الناس جميعا بمن فيهم رجال الأمن، فكيف يمكن فى حكم العقل أن يستطيع أحد أن يتنبأ بها ثم يضع خطة لاستغلالها ثم ينزل إلى الشارع للناس محرضا ومهيجا»، وهكذا برأ الـ«حكيم» شرفاء الوطن واتهم النظام نفسه بالتسبب فيما حدث.
وانقلب السحر على الساحر حيث حول القاضى منير صليب المحاكمة إلى محاكمة للنظام الحاكم نفسه متحدثا بلسان الملايين من أبناء الشعب المصرى صارخا بآلامهم فى وجه ظالميهم، فيقول: «ولكن المحكمة وهى تتصدى لتلك الأحداث بالبحث والاستقصاء لعلها تستكشف عللها وأسبابها وحقيقة أمرها لابد أن تذكر ابتداء أن هناك معاناة اقتصادية كانت تأخذ بخناق الأمة المصرية فى ذلك الحين، وكانت هذه المعاناة تمتد لتشمل مجمل نواحى الحياة والضروريات الأساسية للإنسان المصرى فقد كان المصريون يلاقون العنت وهم يحاولون الحصول على طعامهم وشرابهم ويجابهون الصعاب وهم يواجهون صعودا مستمرا فى الأسعار مع ثبات فى مقدار الدخول، ثم إن المعاناة كانت تختلط بحياتهم اليومية وتمتزج بها امتزاجا فهم مرهقون مكدودون فى تنقلهم من مكان لآخر بسبب أزمة وسائل النقل، وهم يقاسون كل يوم وكل ساعة وكل لحظة من نقص فى الخدمات وفوق ذلك كان أن استحكمت أزمة الإسكان وتطرق اليأس إلى قلوب الناس والشباب منهم خاصة من الحصول على مسكن وهو مطلب أساسى تقوم عليه حياتهم وتنعقد آمالهم فى بناء أسرة المستقبل».
ولخص المستشار حكيم منير صليب السبب المباشر فى اندلاع الانتفاضة وهو غلاء الأسعار فى الوقت الذى كان يعد فيه النظام المصرى برئاسة السادات بالرخاء والرفاهية فيقول «وسط هذه المعاناة والصعاب كان يطرق أسماع المصريين أقوال المسئولين والسياسيين من رجال الحكومة فى ذلك الوقت تبشرهم بإقبال الرخاء وتعرض عليهم الحلول الجذرية التى سوف تنهى أزماتهم وتزين لهم الحياة الرغدة الميسرة المقبلة عليهم، وبينما أولاد هذا الشعب غارقون فى بحار الأمل التى تبثها فيهم أجهزة الإعلام صباح مساء إذا بهم وعلى حين غرة يفاجأون بقرارات تصدرها الحكومة ترفع بها أسعار عديد من السلع الأساسية التى تمس حياتهم وأقواتهم اليومية».
ويضيف الـ«حكيم»: «هكذا دون إعداد أو تمهيد فأى انفعال زلزل قلوب هؤلاء الناس، وأى تناقض رهيب بين الآمال وقد بثت فى قلوبهم قبل تلك القرارات وبين الإحباط الذى أصابهم به صدورها، ومن أين لجل هذا الشعب ومعظمهم محدود الدخل أن يوائموا بين دخول ثابتة وبين أسعار أصيبت بالجنون وإذا بفجوة هائلة تمزق قلوب المصريين ونفوسهم بين الآمال المنهارة والواقع المرير، وكان لهذا الانفعال وذلك التمزق أن يجدا لهما متنفسا وإذا بالأعداد الهائلة من هذا الشعب تخرج مندفعة إلى الطرقات والميادين، وكان هذا الخروج توافقيا وتلقائيا محضا وإذا بهذه الجموع تتلاحم هادرة زاحفة معلنة سخطها وغضبها على تلك القرارات التى وأدت الرخاء وحطمت الآمال، وحاولت جهات الأمن أن تكبح الجماح وتسيطر على النظام ولكن أنى لها هذا والغضب متأجج والآلام مهتاجة».
لم يبرئ القاضى العادل «حكيم صليب» شرفاء الوطن المتهمين فى القضية فقط بل برأ الشعب المصرى كله من التهمة التى اتهمه بها الرئيس «المؤمن» محمد أنور السادات الذى وصف الانتفاضة التى اندلعت من الإسكندرية إلى أسوان بأنها «انتفاضة حرامية»، ووصفها الـ «حكيم منير صليب» بأنها «انتفاضة شعبية» «انتفاضة الخبز».
مع الصديق النبيل عتريس أهتف:
يوم تمنتاشر يناير
لما قامت مصر قومة بعد ما ظنوها نومة
تلعن الجوع والمذلة والمظالم والحكومة.
النهارده الذكرى الأربعون لانتفاضة الخبز العظيمة.. تحية إكبار وإجلال لشعب مصر العظيم.. تحية لكل من شارك ولعن الجوع والمذلة والمظالم والحكومة. تحية لكل من تحمل تبعاتها من سجن وتشريد من رفاق حزب العمال الشيوعى المصرى وحزب التجمع والحزب الشيوعى المصرى و٨ يناير والتيار الثورى والناصريين وغيرهم من رفاق الدرب.. تحية لمن تحمل عبء الدفاع عنا وعن الانتفاضة، العظماء نبيل الهلالى وزكى مراد وعبدالله الله الزغبى وباقى رفاقهم.. تحية للمستشار الجليل حكيم صليب مرجان وهيئة محكمته التى أنصفت الانتفاضة بشجاعة وخلدتها.. تحية لشباب وشابات اليوم وكل عام ومصر بخير.