بقلم – علي الفاتح:
تأتى الذكرى السادسة لـ«٢٥ يناير»، وقد أجابت تسريبات محمد البرادعى على علامة استفهام كبيرة حول الهدف الحقيقى الذى حملته ما يسمى برموز الثورة من استثمار الغضب الشعبى وتوجيهه نحو إسقاط النظام؟ الإجابة مُباشرة إسقاط الدولة وليس الإطاحة بنظام الرئيس حسنى مبارك، الإجابة التى وعاها منذ اللحظة الأولى غالبية المصريين الذين يشكلون القوى الاجتماعية التقليدية، أو من أسمتهم نخبة يناير مُتعاليًة «حزب الكنبة». فى تلك الأيام كان الضباب يسود كل شيء، وكان أعضاء حزب الكنبة الهدف الذى أطلقت منصات يناير الإعلامية وفى مقدمتها «الجزيرة»، نحوه كل ذخيرتها من المعلومات المشوشة والشائعات، فى محاولة لخداعهم وإقناعهم أن إسقاط مبارك هو جُل ما تبتغيه الثورة. لكن كيان الدولة كان دائمًا الشغل الشاغل لأعضاء هذا الحزب الكبير لذلك شعروا بالطمأنينة، عندما رأوا المؤسسة العسكرية تتدخل لخفض مستوى الغليان وتصل إلى حل يُرضى الثائرين «تنحى مبارك»، حينها ظن المصريون أن الهدوء عاد لبلدهم، خاصة وأن مقاليد الأمور باتت بين يدى عصب الدولة أو عمودها الفقرى «المجلس العسكرى». مُجددًا ترتفع درجة حرارة الشارع السياسى على إثر حملة مُنظمة ضد رئيس الوزراء وقتها الفريق أحمد شفيق كانت ذروتها على فضائية الـ«أون تى فى»، عندما استضاف الإعلاميان يسرى فودة وريم ماجد، الفريق شفيق وطبيب الأسنان علاء الأسوانى، فيما يشبه الفخ وليس مجرد حلقة فى برنامج لابتزاز شفيق وإهانته لينتهى الأمر بالإطاحة به. فى تلك الأثناء خرج على حزب الكنبة أشخاص حديثو السن عديمو الخبرة من كل فج إعلامى يتحدثون باسمه واسم الثورة، وبدت الدولة يتلقفها الصغار والمغرضون وهم أشتات وأكبر ائتلاف ثورى صنعوه يضم العشرات. وعلى ما يبدو أن المجلس العسكرى أراد حينها أن يلملم ما تبقى حفاظًا على الدولة، فجاء بأشخاص محسوبين على «جماعة الإخوان»، فى لجنة تعديل الدستور، كون الجماعة المؤسسة السياسية المُتماسكة الوحيدة تقريبًا وقتها، وفهم حزب الكنبة الرسالة فصوت على التعديلات بنعم، ولم يكن تصويتًا فى سياق غزوة الصناديق، أى تصويت للجنة فى مقابل النار. وظل حزب الكنبة مُترقبًا للأحداث وعينه على الدولة وضرورة استمرارها فحتى المُعدم منهم يُدرك أنه لن يجد بيت الصفيح الذى يأويه فى ليل الشتاء القارص إذا سقطت الدولة، لذلك لم يُشارك فى كل المليونيات التى دعا إليها شباب الفوضى وبالطبع فى مليونيات الإسلاميين، راح يستمع فى كل مساء يتلو مليونية سب نخبة يناير له ووصفه بحزب الكنبة ووصمه بالجهل والتخاذل.
نصل إلى بداية فترة الدعاية لانتخابات مجلس الشعب، تندلع أحداث مجلس الوزراء ومحمد محمود بفعل ميليشيات جماعة «الإخوان الإرهابية»، وبالتنسيق مع كيانات مثل «٦ إبريل»، المُخترقة من الجماعة ولتنجر القوى المدنية لاشتباكات مع رجال الشرطة، كانت قيادات «٦ إبريل»، تزيدها بالحطب بالظهور وسط ميدان التحرير وتحميس الشباب الصغير لرشق عناصر الشرطة وتتم محاولة حرق المجمع العلمى وما يحتويه من وثائق هامة بدعم أجهزة مخابراتية.
فى غضون ذلك رفع الإخوان شعار «الثورة فى البرلمان لا الميدان»، ونشط مرشحوها فى دعايتهم بينما الأحداث تشتعل بوسط القاهرة، مرة أخرى يعتقد حزب الكنبة أن التاريخ الطويل للجماعة يؤهلها للحفاظ على الدولة، لأن مرشحى القوى المدنية من دعاة الفوضى والعنف. ولنفس السبب تقريبًا ينتخب ما يربو على نصف المصوتين محمد مرسى فى انتخابات الرئاسة، لكن التلاعب فى الصناديق أو ما عُرف بقضية المطابع الأميرية – التى لم تُحسم بعد – أدى إلى هزيمة منافسه المدنى والمُفضل لدى غالبية المصريين الفريق أحمد شفيق.
لكن مرسى يظهر فى أيامه الأولى كمعول لهدم الدولة كما ظهر برلمان الإسلاميين، وهذه المرة تتحد القوى المدنية فى جبهة الإنقاذ ويُراهن عليها المصريون، لكن أداءها المتواطئ سرعان ما يُذكرهم بخيبتها وفشلها قبل أشهر فيقررون الثورة العارمة فى الثلاثين من يونيو ضد مرسى ونخبة يناير. مُجمل القول إن حزب الكنبة هو من حافظ على كيان الدولة وكشف حجم المؤامرات عليها، دون أن يعرف ما كان يدور فى تلك التسريبات التى فضحت انتهازية نخبة يناير وسعيها للغنائم على حساب الوطن.