بقلم – وليد طوغان:
ليس كل الديموقراطية حلالًا. بعضها فيه سم قاتل. وبعضها فيه مشاكل. لو أعدت أرقام المتظاهرين فى الشارع الأمريكى ضد دونالد ترامب، لتساءلت: من الذى انتخب ترامب إذًا؟
نظام الانتخابات الأمريكى معقد. لذلك، لم يأت ترامب للبيت الأبيض بأصوات الناخبين، إنما جاء بأصوات المجمع الانتخابى. فى الاقتراع بالصندوق، فازت هيلارى كلينتون، لكن بأصوات المجمع الانتخابى.. فاز ترامب.
هى الديموقراطية الحرام. أو ديموقراطية المشاكل. فى أمريكا الجنوبية يسمونها «ديموقراطيات السيانور» والسيانور، سم زعاف، سريع الفعالية، صمموه فى الحروب، واحتفظ به الطيارون، لو وقعوا فى الأسر، تجرعوه.
لو ماتوا، ماتت أسرارهم معهم».
المظاهرات فى الولايات المتحدة، مستمرة للآن، رغم مرور أسبوع أو أكثر، على حفل تنصيب ترامب. المتظاهرون الأمريكيون يقولون إنهم تجرعوا «ديموقراطية السيانور»، فترامب الذى جاء بنظام الديموقراطية الأمريكى، تسبب فى قلق كثير من أنصار الديموقراطية فى الولايات الأمريكية.
فى مصر، جلس بديموقراطية الصندوق، الأستاذ يحيى قلاش على مقعد نقيب الصحفيين، لكن النقيب الذى جاء بالديموقراطية، كان هو نفسه الذى عصف بأول مبادئها، عندما أقحم الصحفيين فى معارك شخصية، فآوى «حبسجية»، بمبنى النقابة متحصنًا بالحريات.
وفى تركيا، انقلب أردوغان على الديموقراطية، دفاعًا عن الديموقراطية.
نقل أردوغان تركيا إلى الحالة «ج»، مواجهًا محاولة الجيش إقصاءه. صدر أردوغان للشارع التركى، أنه مدافع أوحد عن ميراث الحكم التركى الحر، لذلك قضى باسم الديموقراطية على مئات العساكر، وعشرات الضباط، نقل قضاة، وفصل آخرين من المحاكم العليا فى أنقرة والأناضول، أوقف صحفيين، ونقل مذيعين من قنواتهم إلى جرائد محلية، لا يراها أحد، ولا يقرأها إلا أعضاء هيئات تحريرها.
المثاليون الأتراك، الذين ساندوا أردوغان، ضد انقلاب الجيش، باسم الركائز التركية الراسخة فى آليات إدارة الدولة، والخوف على الديموقراطية، هم الذين يعضون على أصابع الندم الآن، فقد حول حزب أردوغان البلاد إلى ساحة إقصاء على النية وعلى الفكرة، دفاعًا عن الحريات.
لمزيد من إحكام القبضة، بدا أردوغان فى نقل تركيا إلى النظام الرئاسى. وافق البرلمان، ويبقى الاستفتاء. ليس فى الشارع التركى الآن، ولا فى مؤسسات الدولة من يمكن أن يرفض مساعى أردوغان، فالرجل أفكاره ديموقراطية، والمعارضون أعداء للدولة، وأعداء للحريات.
بعد أسابيع، سيغير الأتراك دستورهم، ونظام الحكم فى البلاد، وشكل العلاقة بين مؤسسات الدولة، وحتى سلطات رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ليظل أردوغان على رأس السلطة حتى عام ٢٠٢٩.
حفاظًا على الديموقراطية التركية من انقلاب العسكر، انتزع أردوغان لنفسه، حق إخراج تركيا من الهيكل الديموقراطى، وحولها لديكتاتورية مقننة. التعديل الدستورى المفترض، يمنح رئيس الجمهورية الحق فى تعيين رئيس الوزراء، بعد أن كان رئيس الوزراء، شريكًا فى الحكم مع الرئيس، لا معينًا منه.
الدستور الجديد الذى قدمه أردوغان للأتراك، منحه، كرئيس جمهورية، تشكيل حزب سياسى، واختيار هيئته البرلمانية، منحه أيضا تعيين القضاة الكبار، ورؤساء المحاكم العليا، وكبار قادة القوات المسلحة.
فى التعديلات المقترحة، سيكون أردوغان هو الكل فى الكل، لا وزارة تشاركه، ولا برلمان، ولا جيش ولا محاكم.
أكثر التعديلات خباثة، منح رئيس الجمهورية، مزيدًا من السلطات على المجلس الأعلى للقضاء، والمدعين العموم. صحيح أردوغان، سيطر بالفعل، على مجلس القضاء وطهره بعد ساعات من محاولة انقلاب الجيش.. لكن التعديلات المقترحة تجعل سيطرته دائمة.
بالديموقراطية يمارس بعضهم سلطات حرامًا، من أول أردوغان.. حتى يحيى قلاش.. وزملائنا «البلاشوة» فى نقابة الصحفيين.