بقلم – رائد العزاوي:
يعانى المجتمع السياسى داخل إيران من انقسام واضح بعد أن كشفت عن عمق التوترات والأمراض التى تنخر النظام السياسى، فالمجتمع كائن عضوى تكشف حالة المرض عن مدى كفاءة الأعضاء التى تكون بدنه وأحشاءه معا. ومن المعروف أن النظام السياسى يبقى مستقرا طالما كان ملبيا لمطالب أعضاء النظام فى مختلف النواحى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والنظام السياسى الإيرانى يعانى من عدة مشاكل أبرزها وجود معارضة داخلية وهى الأشد ووجود معارضة خارجية وهى الأضعف.
وبعد مسح للمجتمع السياسى الإيرانى منذ الثورة عام ١٩٧٧ وإلى الآن ومطالبها وردود فعل السلطة تجاهها، ظهرت قوة معارضة للسلطة الحاكمة خصوصا داخل الجهاز الحكومى ومنها تيارات سياسية شديدة التباين تعمل من داخل النظام، تعارض بعضها بعضا، وتعتبر ولاية الفقيه مقولة دستورية ملزمة.
إن هناك تنوعا شديدا فى التيارات السياسية داخل الجهاز الحكومى بين يمين ويسار، متطرف ومعتدل، إصلاحى ومحافظ. يعكس هذا التباين التنوع فى فئات وطبقات المجتمع الإيراني، وفى ذات الوقت يعكس تباينا طبقيا واضحا جدا، وهكذا نجد أن لكل قاعدة اجتماعية ممثلين حكوميين وهذه حقيقة فى غاية الأهمية، فالتنوع السياسي- الاجتماعى والأيديولوجي، وبفضل وجود هذه التيارات فى قلب النظام السياسى أمكن لصانع القرار مراعاة مصالح متعددة ومتنوعة، وهومتغير مهم يفسر لنا قدرة النظام الإيرانى على الاستمرارية والبقاء فى ظل ظروف إقليمية ودولية شديدة التعقيد، فضلا عن وضع داخلى ملتهب خصوصا اقتصاديا.
فى المقابل فإن المعارضة الدينية، تنتقد النظام على أساس ديني، وتعارض أى شكل من أشكال المقاومة المسلحة للنظام ،وتتنوع مواقف المعارضة تجاه ولاية الفقيه. ثمة من يرفضها بالمطلق، ويعتبرها « شركًا بالله وفرعونية». وثمة من لا يرفضها وإنما يرفض ولاية المرشد الحالى على خامنئي؛ لافتقاده المؤهلات الدينية الكافية لتولى الزعامة الدينية. هذه المعارضة تطالب بإحلال شخص أكثر كفاءة من خامنئى. وثمة من يطالب باستبدال قيادة الفرد الواحد وإبدالها بقيادة جماعية من خلال مجلس فقهاء يتكون من فقهاء حاصلين على أعلى درجات العلم الدينى لضمان الطابع الإسلامى للدولة. وثمة من يطالب بولاية محدودة تتمتع بصلاحيات سياسة محدودة؛ لتقييد سلطان ولاية الفقيه. وثمة من يطالب بانتخابه مباشرة من الشعب، أى ولاية الأمة وثمة من يرفض ولاية الفقيه جملة وتفصيلا، ويرون أن مبدأ ولاية الفقيه استباق لفكرة المهدى المنتظر(أحد مبادئ المذهب الشيعى) ، ويشككون فى شرعية أى حاكم قبل عودة الإمام الثانى عشر.
يتضح مما سبق أن المعارضة الدينية عبارة عن خليط غير متجانس، وتتشكل من جماعات تترابط برابط هش وضعيف، وتفتقر إلى التنظيم. وهذه نقطة ضعف قاتلة، تفقدها القدرة على التأثير فى النظام وعليه فهى لا تشكل تهديدا له ونقطة الضعف الثانية، تتمثل فى أن الصراعات الدينية بين علماء الدين الشيعة وهى الأخطر بالتأكيد سواء أكانت فيما بينهم أو بينهم وخصمهم «المرشد على خامنئي»، نقول إن هذه الصراعات تكون غالبا وراء الكواليس ونادرا ما تتسرب أخبارها إلى الخارج، لذلك فهى بمثابة «حرب باردة» وصامتة وبخاصة بين رجال الدين وخامنئى.
وهناك المعارضة المسلحة، وتتمثل فى جماعات وأحزاب إيرانية يعيش معظمها فى المنفى وتكرس نفسها للمقاومة بالسلاح، وتصارع الأخيرة على الدولة وعلى الإستراتيجية العليا للدولة الإيرانية، ومن هذه المعارضة «الحزب الديمقراطى الكردستاني» وهو الأخطر حاليا وينشط بسبب الأوضاع المتردية فى العراق وسوريا وتركيا و«المعارضة السنية المسلحة وتتمثل فى عرب الأحواز» و«منظمة مجاهدى خلق التى تتخذ من باريس مقرا لها». هذه المعارضة لا تمثل أى تهديد حقيقى للنظام، ولا تمتلك أى فرصة للاستيلاء على السلطة لكن هذه المعارضة ليس لها أى تأثير.
إن المعارضة الإيرانية تشكل موقفا حرجا للجمهورية الإسلامية التى تتجاذبها القوى المعارضة. فلا تزال القضايا التى تثار متعلقة بمسألة ولاية الفقيه المطلقة التى تشكل الركيزة الرئيسية للحكم فى إيران. المشكلة التى ما برحت تهيمن على النظام منذ الثورة إلى الآن هى كيف يمكن الجمع بين الدولة الدينية والمدنية فى وقت واحد؟، حيث يؤخذ على النظام بأنه أخفق فى تحقيق المصالحة بين المذهب الشيعى والعصر، وأخفق فى تحقيق التوفيق بين الإيمان والحرية وهذه التحفظات حاصرت حريات الصحافة ومكنت السلطات من الالتفاف عليها لعجز النظام عن إيجاد التوازن بين «ولاية الفقيه» وبين ولاية الشعب، بين المدنى والدينى. وهذا يعد من المطالب الأساسية التى تكشف عنها المعارضة، بل ومن ثوابتها.
إلا أن تاريخ المعارضة الإيرانية يشير بتزايدها وتزايد جرأة مطالبها، فلأول مرة نشاهد هجوما على المرشد، ولأول مرة نرى حدة التنافس والاختلاف بين المحافظين والإصلاحيين فضلا عن حدة الانقسام فى النخبة السياسية والدينية، ولأول مرة نجد هذا التدخل العسكرى الواسع والعنيف فى التصدى للمعارضة بهذا الشكل وما صاحبه من إعدام وسجن للخصوم؛ لذا فقد تفتح فصلا جديدا فى تاريخ إيران تشكل هذه المعارضة مقدمته وربما تكون نهاية ولاية المرشد على يد قوة المعارضة الداخلية.