تحتاج مصر هذه الأيام إعلاء صوت العقل والتروى فى كل شيء، وعدم تصديق الشائعات التى قد يرددها البعض عن عمد أو بحسن نية، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعى التى أصبحت مصدرًا خصبًا لنشر الأخبار الكاذبة، ويستغلها الحاقدون والمتربصون لبث الفتنة بين أبناء الشعب الواحد فى محاولة يائسة لزعزعة إرادة شعب قرر أن يتجاوز المحن والمؤامرات، وسوف نجد هؤلاء يثيرون القلاقل عند نشوب أى مشكلة، ومنهجهم واحد «معظم النار من مستصغر الشرر»، وأمامى نموذجان، الأول أحداث العريش، والثانى ردة الفعل على أحكام قضية الاستاد ببورسعيد، وكلاهما يحتاج إلى مناقشته بهدوء، حتى تنجلى الحقيقة التى تغيب عن البعض.
حدث ما حدث فى العريش، تلك المدينة التى كتب عليها أن تعانى من ويلات الإرهاب الأسود طوال السنوات الأخيرة، ورغم ذلك صمد أهلها خلف قواتنا المسلحة، التى تتصدى بكل شجاعة للعناصر الإرهابية من القتلة وسفاكى الدماء، ولما فشل الإرهاب فى الوصول إلى غايته تحالف مع الشيطان بهدف كسر مصر وهدم الدولة المصرية بشتى الطرق، عندما قامت ثورة يناير استغلوا غياب القانون حاولوا كسرها وفشلوا، وبعد ثورة ٣٠ يونيو حاولوا أيضًا كسر مصر، وفشلوا فحاولوا من جهة الاقتصاد الوطنى من منطلق أن تجويع شعب يعد أرخص الوسائل لتدميره، وفشلوا للمرة الثالثة عندما فوت هذا الشعب العملاق الفرصة ووقف خلف القائد ظهيرًا ومؤيدًا.
وقرر الإرهابيون إعادة المحاولة عن طريق أبناء مصر أنفسهم، بزرع الفتنة بينهم، فكان الاعتداء الغاشم على عدد من أبناء مصر فى العريش تقتيلًا وحرقًا لدورهم، وللأسف ابتلع بعض الإعلاميين الطعم، وعالجوا المسألة كما لو كانت فتنة طائفية، وفاتهم أن هذا هو الهدف شق صف المصريين، وبدون وعى انجرفوا إلى تعبير المسلمين والمسيحيين، وتناسوا أن النقطة المبتغاة إسقاط الدولة المصرية وأن كل المصريين مواطنون يعيشون على أرض واحدة، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم.
أما قضية بورسعيد، التى مر عليها ٥ سنوات وصدر حكم محكمة النقض مؤخرًا بتأييد الحكم السابق الذى أصبح باتًا، ويجب أن نحترم كلمة القضاء المصرى مهما كانت قسوة الأحكام على البعض، وهذا أمر لا نتحدث فيه، إنما الذى يعنينا أن أهل الشر من دعاة الفتنة حاولوا استغلال ردة فعل أهالى المحكوم عليهم إعلاميًا ونفسيًا بتأجيج حالة الاحتقان لديهم.
ومن الطبيعى أن يصبح الغضب والحزن سيدا الموقف فى هذه الحالات وهو نفس شعور أهالى ضحايا هذه الأحداث، وياليت الموقف انتهى عند هذه النقطة، لكن المرحلة الأخطر من وجهة نظرى هى محاولة تحويل القضية التى قد تقع أحداثها فى أى مكان إلى قضية مدينة صوّروها على أنها تتعرض لحملة كراهية واضطهاد، وأن هذا الموقف جاء إرضاء لجمهور النادى الأهلى الأكبر والأكثر انتشارًا فى ربوع مصر كلها على حساب أهالى بورسعيد. وأكرر رغم أن ما حدث كان يمكن أن يحدث فى أى مدينة وأى استاد، وحدث فعلا بعدها بعدة سنوات فى ستاد الدفاع الجوى، وقامت الدنيا ولم تقعد.
وإن كنت أرى أن تناول أحداث بورسعيد لا يمكن أن يتم بمعزل عن الظروف السياسية والأمنية التى كانت تمر بها مصر عند وقوعها فى الأول من فبراير ٢٠١٢، حيث كانت جماعة الإخوان تسيطر على البرلمان وكانوا يسعون إلى الوصول لحكم البلاد، وبالتالى يجب أن يصبّ أى حدث لمصلحتهم وتوجيهه نحو طريق يساعدهم على تحقيق غايتهم، حتى ولو جعل هذه الأحداث تجرى على الأرض بشكل مدبّر، فلا يمكن أن يقبل العقل أن جمهور الفائز فى مباراة كرة قدم، يتحول إلى جانٍ، إلا إذا اندس بينه من ينفذ سيناريو معدًا سلفًا لتنفيذه فى حالة فوز الفريق الضيف!