الحادث الإرهابى الآثم الذى وقع الأحد الماضى على كنيستى مارجرجس بطنطا، والمرقسية بالإسكندرية، والذى أسفر حتى اللحظة عن استشهاد أكثر من ٦٣ شهيدا من أبناء الوطن، وإصابة نحو ١٢٦ آخرين. هذا الحادث ليس أول حادث غادر، ولن يكون الأخير وإن كنا نتمنى أن يكون الأخير وبالتالى علينا ألا نكتفى بتكرار عبارات الاستهجان ضد مرتكبى هذا العمل الإجرامى ومن يساندهم ويدعمهم، علينا ألا نكتفى بالصراخ والنحيب، ونحسبن ونحوقل «نكتفى بترديد: حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله». علينا ألا نكتفى بوضع شارات الحداد على شاشات التليفزيون، وإقامة سرادق ضخم بطول مصر وعرضها نعزى بعضنا بعضًا لعدة أيام، ما نلبث أن ننصرف بعدها إلى شئون حياتنا اليومية المعتادة وكأن شيئًا لم يكن «وبراءة الأطفال فى أعيننا». وبعد أيام (أو ربما أسابيع) يقع مرة أخرى حادث إرهابى خسيس، فنعاود الاكتفاء بما اكتفينا به المرة الأولى: إدانة الإرهاب ومن وراءه والصراخ والنحيب على الضحايا.
لا شك أن أفراد الجيش المصرى سواء كانوا جنودًا أو ضباطًا هم وقوات الشرطة المدنية تحملوا وما زالوا يتحملون العبء الأكبر فى مواجهة هذه الهجمات الإرهابية الشرسة على بلادنا. وقدموا وما زالوا، كثيرًا من الشهداء الأبطال الذين افتدوا مصر بأرواحهم الطاهرة، فالمقاتل المصرى يقف على الحدود فى ظل ظروف بالغة القسوة. ومن ثمَّ لنا أن نتخيل حال فرد القوات المسلحة وهو فى الصحراء والخلاء فى سيناء أو على حدودنا الغريبة فى ظل موجة صقيع قاسية، أو موجة حر عاتية، وفى ظل تهديد غادر بالموت من قِبل جماعات إرهابية لا تعرف الرحمة إلى قلوب أفرادها طريقًا.. وإذا كان لى أن أتحدث عن نفسى، فإننى قد خدمت بالقوات المسلحة لمدة أكثر من خمس سنوات، واشتركت فى حرب ٧٣ وهذا مصدر فخرى واعتزازى.. وعلى ضوء تجربتى الشخصية أدرك قوة المقاتل المصرى وصلابته، وتماسك عقيدته القتالية ومتانتها.. ومن ثمًّ فإن النقد ـ إذا كان ثمَّة نقد ـ ليس موجهًا إلى المقاتل المصرى، وليس فى وسع منصف أن يقلل من تضحيات القوات المسلحة المصرية وقوات الشرطة المدنية المصرية فى ظل هذه الحرب الفاصلة التى تخوضها مصر ضد قوى الإرهاب على المستويين المحلى والعالمى. ولكن علينا أن نخرج بدروس مستفادة من كل ما نمر به وما يمر بنا من تجارب ومحن مهما بلغت قسوة وشدة التجارب والمحن.. لأن الضربة التى لا تقتلنى ينبغى أن تقوينى.. ولا أكتفى بالصراخ والنحيب حتى تأتى لا قدر الله ضربة تالية تقتلني!!
ومن ثمَّ علينا أن نتساءل:
إن تفجير كنيستى طنطا والإسكندرية يكشف عن أوجه تشابه مع عملية تفجير الكنيسة البطرسية، التى شهدتها محافظة القاهرة فى ١١ ديسمبر من العام الماضى، لتؤكد ارتباط الأحداث بجهة واحدة خططت ومولت ونفذت. ومن ثمَّ ألم يكن جديرًا دراسة أوجه القصور والتقصير فى إجراءات التأمين المتعلقة بالكنيسة البطرسية بالقاهرة التى سمحت بحدوث ما حدث، والعمل على تلافى كل جوانب القصور والتقصير، حتى لا يتكرر ما حدث فى أماكن أخرى (طنطا والإسكندرية)؟.. رغم الحزن الموجع، لا يكفى البكاء على الدم الطاهر الذى سفك.. إنما الأجدى دراسة سبل تجنب الوقوع فى ذات الأخطاء، والحرص على عدم تكرار حدوثها مرة أخرى مستقبلًا. وهذا ما لم يحدث.. لماذا؟.. لست أدري؟! والنتيجة هى تكرار هذه الحوادث المؤسفة. إن دماء شهدائنا تصرخ مطالبة بالقصاص.. والقصاص لا يكون بالصراخ والنحيب.. القصاص يتم بإعمال العقل.. والتخطيط العلمى، والاستفادة من الأخطاء ومحاولة تجنبها، وبناء العقول قبل الجدران.. وتحقيق العدالة والرخاء والإخاء بين الناس.
لا شك أن معنى ومغزى تفجير كنيستى طنطا والإسكندرية اليوم لم يختلف كثيرًا عن دلالات الأمس، إذ تتمثل فى كونها رسالة من تحالف دولى آثم يضم دولًا معروفة بالاسم تدعم جماعات إرهابية مأجورة أو مغيبة فكريًا أو مقهورة اجتماعية، تحالفت معًا تحت راية الدم والدمار تستهدف إيهام الرأى الخارجى باضطراب الأوضاع الأمنية فى مصر، خاصةً بعد زيارة الرئيس السيسى إلى أمريكا، وعلى المستوى الداخلى تسعى لتخفيف الضغط على العناصر الإرهابية فى سيناء بسبب النجاح الذى حققته القوات المسلحة الباسلة بالتعاون مع أبطال قوات الشرطة فى تطهير بؤر الإرهابيين التكفيريين بجبل الحلال وسائر مناطق سيناء.
كنا ننتظر من القيادة السياسية المصرية أن تتخذ ضمن ما اتخذته مؤخرًا من قرارات لمواجهة تفجيرات وإجرام هذا الإرهاب الأسود، قرارًا واضحًا وصريحًا ضد تلك الدول المعادية لمصر والمحرضة على أمنها القومى، والداعمة للإرهاب، والحاضنة للإرهابيين المصريين فى «قطر» و«تركيا»!!.. لماذا لم تصدر القيادة السياسية المصرية قرارًا بقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الدولة التركية ودويلة قطر؟! رغم إشارة السيد الرئيس بوضوح إلى وجود دول محرضة وداعمة للإرهاب، إذ ذكر سيادته نصًا:
«لا بد من محاسبة الدول التى تمول الإرهاب»!!
وإننا نتساءل: أين تلك القرارات التى تعكس ضرورة محاسبة الدول التى تمول الإرهاب ضدنا، وتهدد أمننا القومي؟!!
إننى أود أن أقول صراحةً: لا بد من اتخاذ موقف واضح وحازم وصارم ضد كل من يريد الشر بمصر «التنظيم الدولى للإخوان وتركيا وأمريكا وقطر ومن سار على دربهم»، أولئك الذين يسعون أن يصبح المشهد فى مصر غدًا هو نفس المشهد الحادث فى سوريا الآن بكل تفاصيله.. لكن هيهات أن يتحقق لهم ما يتمنون!!
بقى أن نقول إن ما اتخذته القيادة السياسية من قرارات خلال اجتماع مجلس الدفاع الوطنى والذى عُقِدَ عقب تفجير كنيستى طنطا والإسكندرية، أمر «يستأهل» التحية والتقدير، خاصةً قرار تشكيل «المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب»، متمنيًا أن يأتى التشكيل الفعلى لهذا المجلس على نحو يحقق الغرض منه، وهو مكافحة الإرهاب.. الإرهاب ليس قنبلة ومسدسًا وحزامًا ناسفًا فقط.. بل أخطر أنواع الإرهاب: الأفكار المتعصبة التى يتم ترويجها داخل بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا وإعلامنا، بمباركة بعض أجهزة الدولة لصالح فكر دينى معين مناهض لكل الأديان والمعتقدات والأفكار الأخرى.
ولكى ننجح فى معركتنا ضد الإرهاب.. ولا نكتفى بمحاربة الإرهابيين، ينبغى ألا يضم «المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب» عناصر هى فى حقيقتها داعمة للإرهاب والإرهابيين، وإن كانت تتشدق أمام وسائل الإعلام بخلاف ذلك.. عناصر تحرص على تكفير كل تفكير.. وتروج لفكر دينى يعادى كل مخالف.. عناصر تتعاطف وجدانيًا وفكريًا مع التعصب والتشدد.. عناصر لا مانع لديها أن تنضم ـ إذا أُتيحت لها الفرصة مرة ثانية إلى جماعات وتجمعات واعتصامات تنادى كما نادت من قبل بتطبيق الشريعة. = علينا أن نكون فى حالة يقظة ووعى حتى لا يتسلل هؤلاء إلى عضوية «المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب».. إذا حدث ذلك واندس بين أعضاء «المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب» إرهابيون يرتدون مسوح الطهر والبراءة، فسوف يؤدى المجلس المزمع تشكيله بالضرورة إلى عكس ما قام من أجله.. سيؤدى ذلك حتمًا إلى ضياع الوطن بدلًا من النهوض به.. سيكون الأمر فى هذه الحالة أشبه بفعل الطبيب الذى يخرج بعد إجراء العملية الجراحية فرحًا مبتهجًا وصائحًا:
– لقد نجحت العملية الجراحية.. ولكن مات المريض!!