ما أحوجنا إلى حركة ثقافية وفنية تخترق صفوف الشباب والأطفال وتدفعهم لإعمال عقولهم وتدريبها على التفكير بشكل نقدى لتفرز الصالح من الطالح وليس أمامنا سوى وزارتى الشباب والرياضة والثقافة لمطالبتهما بعمل فرق كفرق التدخل السريع فى الجيوش، خاصة أن تجديد الخطاب الدينى يبدو حلما مستحيل المنال.
فها هو الأزهر بدءا من شيخه الإمام الأكبر وصولا إلى هيئة كبار علمائه يعتبر أن مجرد حثه لتنقية التراث الإسلامى هجوم على الإسلام ورفض للدين فى حد ذاته، بل إن فضيلة الدكتور أحمد الطيب اتهم كل من ينتقد الأزهر بالتآمر على الدين والعمل على هدم ثوابته، مقابل التربح والحصول على التمويلات.
أى تجديد إذن ننتظره وهذا هو حال الأزهر ورجاله، بل أى تجديد يمكن أن يصبح واقعا ووزير الأوقاف محمد مختار جمعة يعتبر مفجرى كنيستى طنطا والإسكندرية من أتباع فرعون، وكأنه يريد نفى تهمة التطرف والإرهاب عن تلك الشوائب التى لم تخرج إلا من التراث الإسلامى، بينما حضارة الفراعنة لم تعرف سوى قيم التسامح وقبول الآخر والتعايش السلمى بدليل الحضارة التى شيدتها ولا تزال قائمة فى وجدان المصريين.
أى تجديد يرتجى والعقلية السلفية تسيطر على تفكير وزير الزراعة الدكتور عبدالمنعم البنا الذى أعلن أنه لا يستطيع زراعة التبغ فى مصر بدون أخذ موافقة دار الإفتاء ولا أعرف ما هو دور دار الإفتاء، إلا إذا كان البنا يعتبر التبغ كالحشيش والخشخاش مع العلم أنه لم يكن فى حاجة إلى ذكر دار الإفتاء أصلا لأنه قال فى نفس التصريح إنه قد تم غلق باب زراعة التبغ بناء على تقارير معهد بحوث أمراض النباتات الذى حذر من العدوى الفيروسية التى يسببها التبغ لباقى الأسرة النباتية.
لذلك لم يعد أمام الحالمين بتجديد الخطاب الدينى، سوى المراهنة على مهرجانات الإبداع التى تنظمها وزارة الشباب والرياضة لمواجهة خطاب العنف والدم والتخلف الذى يتخلل تراثنا الإسلامي؛ فمن الصعب أن يتأثر شاب يمارس الإبداع بشتى صوره بالفتاوى والآراء الفقهية التى جاوزها الزمن، والمحرضة على الكراهية والمقيدة لحرية التفكير.
مثل ملايين المصريين تابعت اختتام مهرجان إبداع (٥) الذى نظمته وزارة الشباب والرياضة ليتنافس فيه نحو ٥٠٠٠ شاب وفتاة من طلاب الجامعات والمعاهد الحكومية والخاصة، وظهر على مسرح جامعة القاهرة إبداع الفائزين فى مختلف أشكال الفنون الإبداعية من مسرح وموسيقى وغناء وكتابة وغيرها لتكتشف أن هذه البلد لن تنضب أبدا ولن يجف ماؤها الذى يمد الحضارة الإنسانية بمقومات استمرارها، وكل ما نحتاجه هو عمل دؤوب يستفز طاقة الشباب للتنافس لتقديم كل ما هو جديد وممتع ومفيد.
لا أظن أن شابا ممن شاركوا فى فاعليات هذا المهرجان، أو حتى كان من الجالسين فى مقاعد المتفرجين، يمكن أن يكون فريسة سهلة لأصحاب الأفكار المتخلفة.
وقطعا هؤلاء الشباب يبولون على فتاوى أحمق مثل ياسر برهامى عندما يحرم المعايدة على المسيحيين، أو يحرم الاحتفال بعيد الحب والأم وغير ذلك من توافه الأمور التى تشغله وأمثاله من خفافيش الظلام.
ما يقوم به المهندس خالد عبدالعزيز وزير الشباب والرياضة يقع فى صلب معركتنا ضد الإرهاب واستطاع عبر ٥ سنوات هى عمر مهرجان إبداع عمل تراكم من الخبرة فى عملية التنظيم وجذب الشباب وتشجيعهم على المشاركة، وأتصور أن بوسعه تطوير هذا المهرجان بحيث ينظم مثيلا له على مستوى المدارس بدءا من المرحلة الابتدائية، ليتم تربية النشء على الإبداع والتفكير والإطلاع من أجل المعرفة.
يبدو أن وزير الشباب والرياضة يقف وحيدا فى ساحة هذه الحرب فى مستواها الثقافى والفكرى، خاصة وأننا لم نسمع أو نقرأ عن أى نشاط يمثل ربع أو خمس هذا المهرجان تقوم به وزارة الثقافة، ولا أدرى فيما قرر الوزير حلمى النمنم استثمار مقار قصور الهيئة العامة للثقافة المنتشرة فى مختلف ربوع الجمهورية والمهجورة من الجمهور ولا يسكنها إلا موظفون غرقوا فى مستنقع البيروقراطية إن لم يكن بعضهم دواعش كبار تشبعوا بوهابية برهامى وزملائه فى الأزهر والأوقاف الذين جددوا له رخصة الخطابة.