قبل أيام، أطلقت الجماعة الإسلامية مبادرة لوقف العنف فى سيناء. ساوت بين الجيش المصرى، ومجموعة من المتطرفين الإسلاميين. كانت مبادرة مفخخة. مبادرة فيها مليون قنبلة زمنية قابلة للانفجار.
«وقف العنف» الذى دعت إليه الجماعة يساوى بين الدولة وبين الإرهاب هذا هو الفخ الأول فى المبادرة. دعوا لمؤتمر وطنى تجلس فيه الدولة إلى رءوس الإرهاب كان الفخ الثانى، وظنت الجماعة مروره مرور الكرام. منذ متى تجلس الدولة إلى متطرفين ملثمين، بعضهم لا يتحدث العربية، وآخرون أعضاء فى الجماعة الإسلامية نفسها؟
أمامنا خياران بخصوص المبادرة. إما أن الجماعة نيتها ليست خالصة لوجه الله، وإما أنها لا تستوعب الوضع فى سيناء جيدا. الاحتمال الأول أقرب للواقع. طوال عمرها الجماعة الإسلامية نيتها ليست خالصة. من أول السبعينيات حتى مبادرة وقف العنف منتصف التسعينيات.
غريب صدور مبادرة بهذا الشكل عن جماعة، عاد كثير من أفرادها لمصر من قطر وأوروبا وتركيا بعد يناير ٢٠١١، وذهبوا لسيناء، وتدربوا على السلاح فى عهد محمد مرسى، ثم انطلقوا لحرق الكنائس وترصدوا الأقباط فى الصعيد بعد فض رابعة!
اختزلت المبادرة الأوضاع فى سيناء فى « العنف». فخ ثالث. ما يجرى فى سيناء إرهاب، ودولة تحارب الإرهاب. تطهير الدولة أراضيها من الإرهاب ليس عنفًا. الفرق بين الإرهاب والعنف كبير. الفرق بين جيوش الدولة النظامية، وبين متطرفين مرتزقة يسكنون الجبال، ويترصدون السيارات على الطرق السريعة كبير أيضًا.
ما الذى تريده الجماعة الإسلامية؟ أقول لك ماذا تريد. تود الجماعة العودة للأضواء باستماتة، حتى لو عرضت نفسها لـ «التريقة»، وعرضت رؤوسها للنكات. تظن الجماعة أن العودة للأضواء ممكنة. تعتقد أن احتمالات العودة لزمن فات مطروحة، فتستعيد الفضائيات رؤوس الجماعة ومنظريها، بوصفهم محللين استراتيجيين ومفكرين إسلاميين.
نسيت زمن وصفت الفضائيات فيها قيادات الجماعة بـ«المفكرين الإسلاميين»، نسيت لما دخل طارق الزمر الاستوديوهات وكأنه سيمون بوليفار.
تسعى الجماعة لإعادة نفسها للمشهد بأى طريقة. لكن طريقة عن طريقة تفرق. حقها تحاول استعادة الزمن الذى فات. حقها فى نسمة أمل حيث تنتقل إليها الكاميرات، وتدور فى تنظير قادتها كاميرات البلاتوهات مرة أخرى، لكن العقل زينة. وضبط الشغل أهم من الشغل.
ماتت الجماعة الإسلامية، فى الأوساط السياسية. قبلوا عزاءها فى الشارع المصرى. كانت أزمة وعدت. كانت فترة وانتهت. مبادرة الجماعة الأخيرة آخر صحوة موت. اعتبرها حلاوة روح.
لكن المبادرة قتلت ذكرى، وصوبت سهام السخرية إلى قبرها. إذا ماتت الجماعة الإسلامية، انقطع عملها إلا من ثلاث. فهى مثل جماعات أخرى، عملها كان رضِى فى الدنيا.
لم تدرك الجماعة للآن، أن الشارع المصرى فهم. الناس اتنورت. لم يعد هناك مكان لتجار العنف، وسماسرة الدم باسم الله. لكن واضح أنهم لا يفهمون. لا يفهمون نفسية الشارع، ولا يفهمون الأوضاع على الأرض.
ممكن تقول إنه لا فارق بين الجماعة الإسلامية وداعش. ربما لذلك سمت المبادرة الأحداث فى سيناء «عنفًا». تعرف ما دلالة هذا ؟ تعرف إلى ماذا يشير؟ ماذا يشير دس السم فى العسل، ومقارنة الجيش بالمتطرفين؟ يشير إلى أفكار الجماعة القديمة التى تبارك الإرهاب باسم الدفاع عن الإسلام والذود عن دين الله. تشير إلى جواز قتل الأبرياء فى سبيل الله، وإلى جواز الخروج عن الحاكم وتكفيره.
هذا ليس جديدًا. هى أفكار الجماعة الإسلامية من زمان. هى نفسها أفكار داعش، وأفكار كل الجماعات الجهادية. هى نفسها أفكار الإخوان المسلمين. الفارق الوحيد أن الإخوان ارتدوا البدل، وحاولوا اعتيادها، بينما قيادات الجماعة الإسلامية وداعش ما زالوا مصرين على «الجلابيب».
لو أنصفت الجماعة، ما فخخت بياناتها، ولا جاءت مبادرتها على هذا الشكل. لكن تظن الجماعة أن فى الشارع المصرى من يرى لها حيزًا فى الأحداث الجارية. أرادت مزيدًا من الضوء، ومزيدًا من اتساع الأحوزة. لكن زمن الأضواء المسلطة على «الإسلاميين» ولى وفات.. وفى ديله سبع لفات لو أنصفت الجماعة لسكتت. لكنهم قوم لا يعقلون.