لا أتفاءل بصندوق النقد ولا بالمسئولين فيه.. وتفاؤلى هذا لا علاقة له بالمشاعر ولا بالانطباع العام ولا بخفة الدم أو عكس ذلك.. ولكن عدم تفاؤلى يرجع إلى قناعتى بأن صندوق النقد لا يخلص النوايا تجاه بلدنا ودول الشرق الأوسط عامة، وأن توصياته دائمًا ما تحمل الريبة والشك.
عاصرت مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد فى فترات سابقة وتابعت المفاوضات عن قرب خاصة فى فترة حكومة المرحوم الدكتور عاطف عبيد رئيس وزراء مصر الأسبق.. وكنت وقتها أحقق انفرادات صحفية فى مانشيت الوفد وكانت كلها تدور حول شروط وتوصيات ومطالب واملاءات الصندوق وكانت أخبار صادمة تثير الخوف والرعب.. وأعتقد أن هذا كان وراء قيام الرئيس مبارك بوقف الاقتراض تحت أى مسمى وكان ذلك فى نهاية فترة الدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء الأسبق.
كان ينتابنى شعور بالريبة والقلق عندما يهل علينا الدكتور عبدالشكور شعلان عضو مجلس الإدارة وممثل المجموعة العربية بالصندوق سابقا.. لا أنسى زياراته المتعددة للدكتور عاطف عبيد فى مكتبه عندما كان وزيرًا لقطاع الأعمال ورئيساً لوفد المفاوضات مع الصندوق.. كان يأتى ومعه شروط الصندوق وإملاءاته التى كانت دائمًا فى غير صالح المواطن.. كانت كلها تصب فى إجراءات قاسية ومؤلمة وكانت تهدف إلى استمرار أزمتنا الاقتصادية وخضوعنا لوصاية الصندوق وشروطه المجحفة.
تذكرت تلك الأحداث عندما قررت الحكومة والبنك 2% المركزى رفع أسعار الفائدة 200 نقطة بواقع، وهو الأمر الذى سيدفع البنوك لرفع أسعار الفائدة على الإيداع والاقراص وذلك خلال الأيام القليلة القادمة.
القرار جاء استجابة لضغوط صندوق النقد ونفذته الحكومة بدون دراسة متأنية ودون طرحه على خبراء وأساتذة الاقتصاد للحوار والدراسة خاصة أن القرار يمس كل بيت فى مصر.
أعتقد أن رئيس الوزراء نفسه غير راض عن هذه القرار وتصريحاته التى أدلى بها عقب صدوره تؤكد ذلك حيث قال إن رفع أسعار الفائدة سيكون لفترة محدودة.. أى أن الرجل يحاول أن يخفف من المخاوف المتصاعدة من ذلك القرار المفاجئ.. وأعلم أن وزير المالية هو الذى يتبنى هذا القرار داخل الحكومة.
الصندوق ومن معه من المسئولين بالحكومة والبنك المركزى الذين وافقوا على هذا القرار يعتقدون أنهم بذلك يواجهون التضخم ويحاصرونه ويعملون على عودته إلى معدلاتها الطبيعية بعد أن تخطئ الـ%30، ولا يعلم هؤلاء أن هذه النظرية خاطئة لسبب بسيط وهو أن التضخم فى مصر لا يرجع إلى زيادة الطلب الذى يحاولون تحجيمه، وإنما يرجع إلى زيادة فى تكلفة المعروض نتيجة تعويم الجنيه، وأن الحل يكون بعلاج أصل الخلل بخفض تكلفة العرض وهذا أمر لا علاقة له بالطلب.
أما ما فعلوه فستكون آثاره عكسية وسيستمر التضخم فى منحنى صعودى، هذا بجانب الآثار الخطيرة للقرار والتى ستصيب الاقتصاد بالشلل وهو ما سنتناوله فى المقال القادم إن شاء الله